منذ أن استولى الجنرال محمد ولد عبد العزيز على السلطة صبيحة السادس من أغسطس 2009 بانقلاب أبيض ضد الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله حتى دخلت البلاد في أزمة دستورية هي الأولى من نوعها فقد عرفت خمسة انقلابات قبل ذلك، لكن انقلاب الرئيس ولد معارضة كبيرة حينها الأمر الذي جعله الجنرال المعزول نسبيا باستثناء أصدقاء قلة كان من بينهم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي..
دخل ولد عبد العزيز في تلك العزلة لكنه كان يناور ويحاور على كافة الأصعدة فيناول بانتخابات رئاسية أحادية، ويحاول في أوربا وافريقيا معارضيه بشكل غير مباشر، لتكون العاصمة السنغالية داكار محطة للالتقاء الفرقاء السياسيين وتوقيع اتفاق ينهي الأزمة الدستورية في موريتانيا ويرجع ولد الشيخ عبد الله يلقي خطابا يتنحى فيه عن السلطة، وتنظم انتخابات يفوز فيها المرشح محمد ولد عبد العزيز.
سنوات من حكم الجنرال السابق محمد ولد عبد العزيز كانت كفيلة بتسجيل اسمه في المحافل الدولية كرقم مهم، والحديث هنا سيكون عن ولد عبد العزيز الوسيط الافريقي والعربي في ثلاث مهمات كانت شاقة بالفعل، وهي الوساطة الليبية والوساطة بين الفصائل المالية، وأخيرا الوساطة الغامبية..
طرابلس .. وساطة ولدت فاشلة
في منتصف فبراير 2011 وبينما كانت طائرات الناتو تقصف طرابلس كان الرئيس الراحل معمر القذافي يستغيث بصديقه محمد ولد عبد العزيز لإخراجه من هذه الأزمة فخرج الأخير في طائرة إلى طرابلس التقى خلالها معمر القذافي في طرابلس ثم توجه إلى معقل المعارضة المسلحة في مدينة بنغازي، محاولا تقارب بين فريقين دخلا في حرب دامية، تعنت القذافي (الذي رفض تسمية نفسه برئيس الجمهورية) وقال : إنه مستعد لكل شيء إلا أن يتنازل عن السلطة.
أما المجلس الانتقالي الليبي بقيادة مصطفى عبد الجليل فقال : إن المعارضة مستعدة لكل شيء لكن شريطة تنحي القذافين فتم وأد أول وساطة يقودها الرئيس محمد ولد عبد العزيز وهي ما تزال في المهد، وعاد أدراجه دون أي نتائج..
كيدال.. نجاح ولكن ..
مدينة كيدال من أكبر مدن أزواد خرجت عن سيطرة مالي منتصف العام 2012 وكانت حينها عاصمة لإمارة أنصار الدين الجهادية، واستعادتها مالي في نهاية نفس العام وبداية العام الموالي، أو على الأصح استعادتها فرنسا في عمليتها العسكرية ضد أنصار الدين، ورفعت فيها أعلام الحكومة المالية وانتشرت فيها القوات الافريقية، لكنها ظلت في مرمى الجماعات المسلحة الإسلامية والقومية والحركات المتمردة الأخرى.
في منتصف العام 2014 زارها الرئيس محمد ولد عبد العزيز والمناوشات متواصلة بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد من جهة والجيش المالي والجبهة العربية من جهة أخرى، حطت تلك الطائرة التي تقل ولد عبد العزيز ليوقع اتفاقا ينهي تلك المناوشات نهائيا بين الحركات المسلحة..
لكن غاب عن هذا الاتفاق الفصائل الجهادية وهي وإن لم تكن معترف بها من قبل بعض الحركات إلا أنها رقم صعب في المعادلة المسلحة في الشمال المالي.
نجحت إذن تلك الوساطة نسبيا حيث أن الحركة الوطنية لتحرير أزواد لم تطلق النار، والجيش المالي أيضا أوقف العملية، إلا أنه سرعان ما عادت الاتهامات المتبادلة بين الفرقاء وإطلاق نار كل طرف يحمل المسؤولية للآخر.. وعاد الشمال المالي ونسي الاتفاق المبرم بين فصائله.. عادت كما كان أو أشد..
بانجول.. النجاح الباهر
النجاح الأكثر الذي حققه الرئيس في تاريخ وساطاته هو ذلك الأخير المتعلق بالشأن الغامبي حيث أقنع الرئيس يحي جامي عن السلطة بعد أن تعنت مرات ورفض مرات أن يخرج من السلطة حتى ولو استخدم السلاح ضده..
نجح الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى جانبي ألفا كوندي في إقناع نظيرهما الغامبي بالتخلي عن السلطة بعد أن ضمنوا له مستقبلا أفضل في عاصمة أخرى، من خلال الوساطة يخرج جامي بممتلكاته كلها هو وعائلته ومن معه..
هو إذن أول انتصار للرئيس الوسيط في وساطاته الثلاثة، فهل ستخوله هذه التجربة أن يستدعى في حل أزمات دبلوماسية افريقية أو دولية..