وأنا أنزل العاصمة الغامبية بانجول لأول مرة إذ برجل يكبلني بقوة ويمنعني من الالتفات إليه، فزعت أولا لكن عند التفاتتي إذا بمصور الجزيرة الصديق يبادر بمعانقتي واستقبالي بحرارة شديدة، لكن حديثا لم يطل كثيرا وانتقل من بسمات إلى دموع، بسرعة نعى لي الصديق شيخنا ولد الشيخ أحمد الأمين، لم تكن السيارة التي تحمل جثمانه الطاهر تبعد سوى أمتار عدة، شيخنا عهدي به أسبوع واحد في وقفة أمام الجزيرة، لله ما أقرب الدنيا من الآخرة، على هذا النعش جنازة شيخنا !! لا إله إلا الله وفي مقدمة السيارة يوجد الصديق الدامع باب ولد حرمه، وبعض الزملاء الآخرين.. صدمة جعلت ولد حرمه يعجز حتى عن ابتسامته المعهودة.. وتحكي قسمات وجه ولد حرمه ودموعه قصة شيخنا الصحفي الخلوق المتدين الباسم، الصحفي الذي يشهد له الجميع بالاستقامة في العمل والنظافة المهنية..
لست أدري ـ وأنا أودع شيخنا إلى الأبد ـ وإذ أرى موكبه الجنائزي يختفي في عباب البحر وإذ أستسلم لقضاء الله وقدره والدموع تسيل على خدي.. لست أدري من أين أبدا ذكرياتي معه، هل أبدأها بأول لقاء جمعنا عندما كنا في تكوين قبل سبع ست سنوات في فندق وصال، فاكتشفت رجلا مؤمنا بالله وبرسالته، خلوقا صابرا عصاميا، أم أتحدث عن لقاءات أجراها معي عندما كنت المتحدث باسم مبادرة "إنصاف" وكان الرجل واقفا مع تلك القضية العادلة يغضب حينما أشعره مبكرا في أي نشاط، لا يفوت عليه اية فرصة في مناصرة القضايا العادلة كلها.. أم أتحدث عن صديق عزيز جمعتني معه أسفار فكان ذا دعابة لا يمل جلوسه ومزاحه، وأتحدث هنا أخ كان يختارني من الزملاء ويقول في أدب معهود : إن سفر لا أكون معه ينقصه المرح..
أيها الشهيد في الأرض البعيدة نم قرير العين في مرقدك هنالك .. قد بلغت رسالتك بصدق وإخلاص، ونظافة.. نم قرير العين في أحراش "مكطع لحجار" فكل من عرفك يشهد لك بالتدين والورع..
إنا لله وإنا إليه راجعون إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب.
*مختار بابتاح / بانجول 27/01/2017