كان يوما قائظا شمسه تحرق الأجساد حرقا وكانت شوارع روصو المتعرجة تعكس أشعة الشمس فتحرق كل من يعترضها في العراء، لكن الأديب المصطفى ولد اشفع اعمر لم تمنعه تلك الأشعة ورياح سمومها اللاهب و التي كانت تحتفل بعيد بعيد ميلادها "الدبران" من الخروج لبعض حوائجه وهو يستقل سيارته 504 SR العتيقة ابعد ما يمكن أن نتصوره أن تلك السيارة الصامدة تحت أشعة شموس الحارقة تحمل مكيفا هوائيا يقي من حر ريح السموم..
ترك سيارته في مطبات الشارع المتهالك الذي يمر بثانوية روصو وبينما هو كذلك يسير ويسير إذ بفتاة واقفة أمام مدخل الثانوية وهي تظل ناظرها الأيمن بدفترها المائلة محاولة بذالك مقاومة الأشعة الملتهبة التي تكاد تنخر بشرتتها الشفافة الناعمة
خفض المصطفي سرعة سيارته ليتبين أمر هذه الفتاة التي تقف وحدها في هذه الهاجرة الآكلة لا شك أن شيئا ما وراء وقوفها هنا !! .تنتظر أحدا أم أنها لاتمتلك المال لأخذ سيارة أجرة قال هذا في نفسه وهو يقف بجانبها ليتأملها بتفحص ولسان حاله يقول ماهذا الجمال الساحر؟ هذه الفتاة إنسية أم جنية؟ أم أنها نجمة متلألئة ضلت موقعها ؟ أم أن شيطانا ماردا رجم بها هذا اليوم المشتعل !!!
سلم عليها بعد أن عادت خلجاته أدراجها ليعرض عليها في خطاب أبوي مفتعل :
ـ تعالي يابنتي أوصلك إلي أهلك ..
ـ ولكنني أنتظر أختي داخل القسم.. قالتها في ابتسامة بريئة..
ـ لابأس لننتظراها معا.
وبعد هنيهة أقبلت الأخت والنسخة طبق الأصل من أختها وهي تتمايل كأغصان البشام الراقصة علي وقع أزيز الرياح الجنوبية محدثة برجليها وسوسة لطيفة فتح لهما جيب السيارة وأدخلهما في المقاعد الخلفية وانطلقوا نحو منزلهما في الصطارة ولكن الأديب المرهف الإحساس بدأ يبحث عن طريقة بريئة يصطاد بها إحدي الفتاتين اللتين أشعلتا في قلبه نار الحب المتأخر عن أوانه خاصة أنه يكبرهما بثلاثين سنة تقريبا فبدأ يداعبهما بكلمات محترمة وعاطفية في نفس الوقت فاستحسنتا حديثه ودخلتا معه في جو من المرح البريء
إلي أن وصلوا المنزل فعرضتا عليه من باب رد الجميل أن يقيل معهم إدا كان لديه متسع من الوقت فاستجاب لهما ودخلوا المنزل فقدمت له إحداهما الشراب وأقامت له الأخري الشاي فسألهما عن دكان يبيع التبغ ( أمنيج. ) فقالت له إحداهما أن بوتيك (ماما) يبيعها فخرج إلي الدكان المتواضع ودخله وهو يتفحص ( الكهلة ماما ) المتكأة علي جانبها الأيسر متوسدة مرفقها إندهش وهو يرسل النظرة تلو الأخري من جمال هذه السيدة الخمسينية التي تقدم بها العمر قليلا لكن جمالها يبدو في ريعان شبابه فجمالها يصرخ بإلحاح في قسمات وجهها المتوهجة وفي عينيها الواسعتين الحوراوين وفي حاجبيها السوداوين المرسومين علي جبينها الأبيض الناصع بإتقان وفي شفتيها الورديتين الرقيقتين
سلم عليها سائلا.( عندك امنيجه ) ردت عليه السلام بطيب خلق فطري قائلة (عندي بعد) فقال لها أعطيني منها صرة فمدت معصمها الناعم وسحبت له صرة من حزمة معلقة فوقها تماما فلما أن رأي ذلك المعصم الفاتن طلب منها صرة أخرى فسحبت له أخري وهي تبتسم إبتسامة مائلة ماكرة فسألته عن أمر الصرة الثانية فأجابها وبدأ يبادلها الحديث
ومن هنا وجد نفسه في موقف حرج أيرجع إلي الفتاتين أم يبقى مع الكهلة ماما وعندها أنشأ يقول
وحلت يان حك بنه
في الطفحه مصيوب عنه
الترك ما تيت سنه
شيباني والذات
محموده لله منه
ذي الفظله لبكات
وأحذاي بوتيك وحله
فيه اطويفلات
افيه امل زاد كهله
من ذوك الكهلات
رحم الله الأديب الكبير المصطفى ولد أشفغ أعمر
منقول من صفحة الأديب مامين ولد ربيعة..