وكالة الاتصال – أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مقابلة تلفزيونية أنه «لن يترشح لانتخابات 2019 الرئاسية»، وهي سابقة عربية خطيرة لم تحصل في حكم عسكري عربي، من قبل سوى في السودان.
مع المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي استلم السلطة خلال انتفاضة نيسان/ابريل 1985 بتنسيق مع قادة أحزاب ونقابات ثم قام بتسليم السلطة للحكومة المنتخبة في العام التالي.
يأتي التصريح في وقت يدعم فيه الرئيس الموريتاني تعديلات على الدستور حول نقاط بينها إلغاء مجلس الشيوخ وتعديل العلم والنشيد الوطني وهو ما دعا منتدى المعارضة الموريتانية، المؤلف من أحزاب ونقابات وشخصيات مرجعية، إلى إعلان رفض ما سماه «التعديلات الدستورية العبثية»، معتبرا أن «البلاد مختطفة من طرف حاكم يعتبر البلد وأهله غنيمة مستباحة يتصرف فيها كما يشاء ويورثها لمن يشاء»، وهو ما يفتح قوس سؤال كبير: إذا كان الحاكم يعتبر البلد وأهله غنيمة مستباحة يورثها لمن يشاء فما الذي يدفعه للتنحّي مع انتهاء ولايته فيما يخوض رؤساء، مثل بشار الأسد، وقبله معمر القذافي، وقادة عسكريين، مثل خليفة حفتر، حروباً مدمّرة لشعوبهم وبلدانهم عنوانها الرئيس: أنا أو أخرب البلد؟
أحد الأجوبة السريعة التي تقفز للذهن هو ما حصل مؤخرا من خروج الرئيس يحيى جامع، الحاكم المستمر لغامبيا منذ انقلابه العسكري عام 1994، من بلاده بعد محاولة فاشلة للتمسك بالسلطة بعد خسارة الانتخابات استدعت تدخّلا عسكريا إفريقيا ضدّه، وكان الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز قد توسط في مسألة خروجه وافتخر بعدها بما فعل، وهو ما يعني، أنه شارك في إبعاد ديكتاتور عسكريّ قبل أن يفني عناده البلاد والعباد، كما يعني أن دلالة هذه الحادثة انطبعت بقوة في ذهن الرئيس الموريتاني كما انطبعت في ذهن غيره من الحكام الأفارقة، وخصوصاً أنها تكرّر ما حصل مع زعيم ساحل العاج لوران غباغبو عام 2010 الذي أدخل بلاده حرباً أهلية انتهت باعتقاله وتسليمه للجنائية الدولية في لاهاي.
العارفون بأحوال موريتانيا يقدّمون سبباً آخر لوعد عبد العزيز بعدم الترشح وهو أن قائد أركان الجيش الموريتاني محمد الغزواني سيتقاعد آخر السنة الحالية ويصبح قادراً على الترشح للرئاسة بحيث يخرج من الحكم من وراء الكواليس، باعتباره القائد الفعلي للانقلابات المتكررة في موريتانيا والتي جاءت بمعاوية ولد الطايع رئيساً عام 2005، ثم بدوره في تمكين الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله عام 2008، وأخيراً بمحمد ولد عبد العزيز، سادس رئيس عسكري لموريتانيا الذي قام بخلع ولد الشيخ عبد الله عام 2009 واحتلّ منصبه.
وبذلك نستطيع أن نفهم تكملة الوعد الذي صرّح به ولد عبد العزيز من أنه لن يترشح «ولكنّه سيدعم مرشحاً رئاسياً»، فبذلك يكون قد سدّد الأمانة الثقيلة التي سلّمت له من قبل الزعيم العسكري الفعلي للبلاد، الذي قرّر أن يصبح مدنيّاً ويترشح للرئاسة!