جلست مامي إلى جانب جدها، وبدء يسرد لها قصص المقاومة الوطنية التي بلت بلاء حسنا في طريق تحرير الوطن من المستعمر الفرنسي، ولكن لفت انتباه الحفيدة أن الجد كان يركز كثير على البطل ولد امسيك، ومسيرته البطولية في وجه المستعمر، والتي كانت تتخللها مواقف لا تخلو من الطرافة.
تقدمت مامي في مسيرتها الدراسية الإبتدائية من فصل لآخر، حتى وصلت إلى الصف الخامس، وكان هناك درس عن التاريخ موضوعه (المقاومة الوطنية ضد الاستعمار)، شد الموضوع انتباه البنت وقالت في نفسها لابد وأن هذا الموضوع يحمل شيئا عن ولد امسيك، فإذا طرح الأستاذ سؤال سأجيب بسرعة، وأكسب درجة أتفوق بها على الطلاب, لأن جدي حدثني كثيرا عنه، وأصبحت أعرف بالطبع عنه أكثر مما يعرفه زملائي.
شرح الأستاذ درس المقاومة الوطنية، ومامي تنتظر حتى يذكر المدرس ولد أمسيك لتلوح بأصبعها أنها تعرف عنه شيئا... ولكن لم يحدث بل خاطب المدرس الطلاب: افتتحوا الدفاتر لتكتبوا الملخص، وهنا تفاجئت الفتاة وقالت في نفسها: أيكون جدي اختلق قصة خيالية ليلهيني بها، ولكن لا يمكن لأن الجد قال: أنه يعرفه شخصيا حتى أنه وصفه لي ويمكن أن أرسمه، وتذكرت البنت تلك اللحظة، أن جدها أخرج (بيت امنيج) وعلبة كبريت وقال: هذا الرجل المرسوم علي العلبة الراكب على الجمل التجار يسمونه ولد أمسيكه ومرت السنين بسرعة ومر على هذه القصة خمسة وعشرين سنة، وكل سنة يخلد عيد الاستقلال وتذكر المقاومة ولا يذكر بطل مامي (ولد امسكه) حتى وصلنا إلى العيد الثاني والخمسين والمقاوم ولد امسيكه مطويان في طي النسيان.
أيمكن أن يغيب بطل لأنه من شريحة معينة، لا تعرف بحمل السلاح في تلك الفترة، أم أن هناك منهجية منظمة لولوج التاريخ تعتمد على القبيلة، والجهوية والمحسوبيةّ؛ لا أصدق!، أم أن كل الأنظمة المتعاقبة على السلطة في البلد كان عندها خط أحمر لا يمكن أن يتعداه أي كاتب ليذكر ولد امسيكه، لا أصدق!، سأتعدى كل هذه الاعتبارات وأتوجه إلى المعهد التربوي الموريتاني، ألم يحن الوقت بعد لترجعوا إلى مناهجكم الدراسية وتعدلوا فيها، ما أفسده الدهر في ما يتعلق بالمقاومة الوطنية.
وهنا لايفوتني أن أذكر أن كل ما يدرس في المناهج المدرسية عن المقاومة الوطنية، لا يحيط بكل جوانبها وتذكر المقاومة الوطنية في السنة الخامسة فقط وبرؤوس الأقلام، فلماذا لا تدرس من السنة الثانيةإبتدائية ؟ حتى يصبح النشئ يعتز بأبطاله وما حققوه على ساحة الشرف.
ركزت على ولد امسيك لأنه كان عميد المغيبين عن التاريخ؛ فمامي حالفها الحظ لأن جدها حكى لها عن بطولاته، ولكن أكثر الأجيال اليوم لا تعرف هذا المناضل ولم تسمع عنه حتى، بل المفارقة أنك إذا سألتهم عن عمر المختار أو السادات أو باتريس لومومبا؛ سيجيبونك بسرعة، في الوقت الذي لا يعرفون شيئا عن أبطالهم وبطولاتهم، وفي الأخير أوجه نداء إلى المنتديات العامة للتعليم وإلى السينمائيين وإلى الصحافة الوطنية الرسمية والمستقلة، ليخلدوا المقاومة الوطنية كل بطريقته ولكن بدون نسيان بطل مامي ولد امسيكة.
بقلم بوب فال