"واعذريني إذا بدوت حزينا === إن وجه المحب وجه حزينُ"
سامحيني يا بلادي إن فاضت عيناي حزنا على ماض من المؤامرات عليك وعلى أديم ارضك، وسامحوني ـ أيها السادة من بلاد الملثمين ـ إذا بكيت وأجهشت بالبكاء صباح الثامن والعشرين نوفمبر ذلك اليوم المشؤوم علي وأنا ابن بلاد لما تتحرر من المستعمر الفرنسي البغيض... سامحوني فأنا أمقت هذه الطبقة الفرنسية الحاكمة ولا يشفع لي إن كان آباؤها موريتانيين، فهي فرنسية بالهوية واللغة واحتقار الإنسان الضعيف.
سامحوني فأنا أتذكر اليوم تلك المؤامرة الكبرى التي راح ضحيتها قومي ووقّع مع بلاد الروم البغيضة أحد أبنائهم وأصهارهم باسم بلادي فوقع الخصم والحكم على ما يسمى الاستقلال، ففي ذلك اليوم المشؤوم الذي يحتفل ثلة من أبناء هذا الاستعمار به لم يحضر رجل واحد من رجالات المقاومة الذين سطروا بدمائهم الزكية بطولات خالدة لن يستطيع عملاء باريس محوها في يوم من الأيام..
سامحوني يا قومي إن بكيت مرات في يوم استقلالكم واستغلالنا ـ معاشر الضعفاء ـ فما عاد نوفمبر في ذاكرتي يمثل لي سوى الأحزان، أحزان وهموم على أمة يضحك الآخرون عليها ويسمونها دولة وما هي بالدولة إطلاقا، إنها أرض محتلة منذ قرن بدأت فرنسا استعمارها مباشرة ثم سلمت مفاتيح الأرض إلى أحد أبنائها البررة، ثم تخلص منه ثلة من العسكريين الخائنين للأوطان ولا يزالون يدوسون كرامة أمتنا بأحذيتهم الخشنة.
سامحوني فأنا الابن الوحيد لتلك الأرملة الزنجية الباكية كلما تذكرت إعدام زوجها في "إينال" غداة الثامن والعشرين نوفمبر قبل خمسة وعشرين عاما، وأنا اليتيم نجل الضابط المسكين المعدوم بسبب لغته وبشرته نعم أعدم والدي في مشنقة إينال قبل أن أراه لتكون موته ذكريات خالدة لرفع العلم الأخضر، وولدت بعد هذه المناسبة بشهرين، فأنا يتيم الاستقلال إلى أن أموت..
سامحوني واعذروني فأنا عجوز منسية راحلة عن هذه الدنيا الغادرة ولا أتذكر في هذه المناسبة سوى الألم والجرح النازف، أتذكر ليلة اختطفوا فلذة كبدي محمدو ولد صلاحي في شهر نوفمبر 2001 وسلموه على طبق من ذهب غداة 28 نوفمبر فكيف لي أن أحتفي بهذه المناسبة التي عشت على مرارتها سنوات عدة أنتظر عودته قبل أن ينقطع الأمل وتزداد المعاناة ، وأخيرا قررت الرحيل عن بلادكم حتى لا أسمع مرة أخرى بذكرى استقلالكم..
يا أسفي على بلاد يحدد مصيرها ومستقبلها جنرالات ورثوا الاستعمار كابرا عن كابر، ويتفاخر آخرهم بأنه يجسد برنامج أول رئيس لموريتانيا.. مسكينة أنت بلادي الحبية وقد نهبك اللصوص منذ قرن ويزيد..
وإلى لقاء مع يوم الحرية المنشود..