قد يكون لبعض الظروف المعقدة التي يعيشها الإنسان في المجتمعات العربية دورًا كبيرًا في حالة الازدواجية التي يعيشها أكثر الناس، فالخوف من النبذ والإقصاء المُجتمعي، وخشية العقاب، والرغبة في الحصول على حقوق أو مكتسبات تقف في طريقها عشرات المصاعب تجعل الإنسان مضطرًا لإخفاء الحقائق ومحاولات "اللف والدوران" فرارًا من الوقوع في مصائد اللوم أو الظهور بمظهر "الفاشل" امام الآخرين، لكن اختيار هذا الطريق يؤدي بدوره إلى مشكلات أخرى تتفاقم بمرور الزمن، إلى أن يأكل القناع وجه مُرتديه إلى الأبد.
ليس من السهل أن يصل الإنسان إلى مرحلة "التصالح مع الذات" في ظل الضغوط الكثيرة المحيطة به، لكنه في كل الأحوال يجب أن يحاول حتى ينتصر، ليكُن صادقًا في مواجهة ذاته بالحقائق ولو سرًا بينه وبين نفسه، ليعترف لنفسه بالأسباب التي تجعله يكره هذا الشيء أو يهوى هذا الشيء دون أن يغلّف تلك المشاعر بمبررات غير حقيقية، هذا "الوعي" بالمشاعر يعتبر مُنجزًا عظيمًا بحد ذاته، لأن الأغلبية يُكافحون مشاعرهم ويخجلون حتى من مواجهة أنفسهم بحقيقتها.. تخفي في أعماقك مشاعر مُخزية أو أفكار وقحة شرّيرة؟ لا بأس، هذا طبيعي، هذا بشري ومعتاد بشهادة علم النفس، واجه نفسك بالحقيقة، اسألها عن الأسباب العميقة، وابحث عن الحلول الممكنة لاجتثاث جذور المشكلة الأساسية من داخلك كي تذوب بتبخرها تلك المشاعر، أما الاكتفاء بقمع المشاعر لأنها مُرادفة للعار بطريقة أو بأخرى سيؤدي إلى بحثها عن "قناة تصريف" أخرى تتجلى في سلوك عنيف أو فضيحة مُفاجئة لا تستطيع لملمة أطرافها.
الواضحون أكثر ارتياحًا مع أنفسهم وأكثر رضا عن ذواتهم، ووضوح الإنسان مع نفسه يؤدي بالتدريج إلى وصوله مرحلة الشجاعة في التعامل بوضوح مع الآخرين عبر أنسب الطرق المُتاحة وأكثرها سلامًا، ولم يُسجل التاريخ اسم ناجح واحد لم يكن شديد الصدق والشفافية والوضوح مع ذاته إلى درجة إعلان أفكاره العظيمة أو المثيرة للجدل على مسامع الآخرين مادام واثقا ومتأكدًا منها، ولا تنمو تلك الشجاعة وتُزهر وتزدهر إلا تحت رعاية الثقافة والخبرة والغوص في خضم تجارب الحياة الواقعية كي لا تتحول إلى شكل من أشكال التهور غير المحسوب. الواضحون تبني شفافيتهم بينهم وبين الآخرين جسرًا قويًا من الثقة والأمان بمرور الزمن لأن الآخر لا تراوده الشكوك تجاه الفرق بين ما يُبطنون ويُظهرون، ويرون انعكاسهم الداخلي في محيطهم الخارجي بازدياد أعداد الأشخاص الصادقين الواضحين في حياتهم مقارنة بالمعقدين والفاسدين والمحتالين والكاذبين والمحتالين، فتغدو حياتهم أكثر راحة، وطريقهم أقل عثرات.