كان في "مكتبة البيروتي" في "شارع الحلبوني" بدمشق شاب نابه، ترأم الروح عليه سهلا، وتألفه سريعا...
كنت كلما زرت المكتبة أتحفني بخبر عن أولياء الشام وصلحائه!!
وجدته مرة يسارق النظر إلى شيء وُضح خلف المكتب، فسألته عن ذلك الشيء؟ فتبسم وقال: هذه صورة للشيخ الأكبر رسمها أحد العارفين الرسامين، بعد رؤيا لقي فيها الشيخ!!
لعلها رؤيا حق، لقد كانت الصورة تعكس ما يتوارد إلى ضميمة الروح من جلال وجمال الشيخ الأكبر، بل لعلها هي الأقرب إليه، ويا أسفي على ما فات من عدم استنساخها!!
كنت مشتاقا لزيارة الولي العارف شيخ قراء الشام الشيخ شكري اللحفي، فزودني الشاب بعنوانه، لكنه أكد على تعذر لقائه بأسباب ضعفه الجسماني، قلت له: لا عليك، فإن يكن الإذن في لقائه قد حصل، فالأمر تحصيل حاصل...
في الغد التالي قصدت العنوان، فوجدته بيت أحد تلامذة الشيخ، بعد استقبال سريع، قلت له: إني أريد لقاء الشيخ، فقال: إن الشيخ في خلوة، ولا يلتقي بالزوار، قلت له : - بعد وافر من الإلحاح - أريدك فقط أن تقول له: إن فلانا من البلد الفلاني يريد السلام عليه، فإن قبل كان المراد، وإن رفض فقد وفيت بالمطلوب وما خيبت الرجاء، قال لي: لا عليك، سأفعل، ومضي إليه، وبعد يسير عاد إلي مندهشا، يقول: ما خطبك أيها الإنسان؟ قلت وما الأمر؟ قال: لما أخبرت الشيخ بما قلت لي، قال لي: - على الفور - أنا سآتيه! قلت: هي عطاءات لله...
بعد يسير بدا علينا الشيخ يصّعد السلالم، يرسل الخطى بطيئة... فقمنا إليه، ومن جلال الهيبة، ووقار المقام، خُتم على فمي، وما استعطت قولا!! جلس على المقعد، وأدناني وأمسك بيدي، وكان يتلو، وكنت مصروف النظر إليه، مزداد الشوق، محترق الحشا...
تلاقينا فما أطفى التلاقي --- لهيبا لا ولا برد الغليل
كنا بين أنس وهيبة، وفي صمت صامت، والعجب أني قبل لقائه كنت نظمت مسائل عدة أريد الشيخ أن يدعو الله لي بتحققها، وفي حضرته ما تذكرت شيئا غير جمال الشهود....!!
في رحابه تشهد زكاته، وطيب مغرسه، كان وضيئ المحيا، طيب الرائحة، نزر الكلام، لا تخطئه العين، ولا تخطئ عينه شيئا ما... لا أعرفه!! في وحهه ترى كثيرا... وفي عينيه أشياء كثيرة!!
كان شيخ القراء في الشام، له مجلس مديح وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر كتبه "تحفة العصر في علم القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة"
كان لقاء، وكان حديثا.....
وكان ما كان مما لست أذكره --- فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
ختاما، دعالي، وقلت له: أوصني، قال لي: الناجي منا يوم القيامة يأخذ بيد صاحبه، وما زاد، وما زدت، وودعته:
ودعته وبودي لو يودعني --- صفو الحياة وأني لا أودعه