عترفنا ـ بشجاعة، أم أنكرنا بكبر و صلف ـ فإن بلدنا تحاصره اثنتان من كل الجهات: "الرداءة" و الخيانة.
أما الرداءة ففي كونه لا يملك حتى في عصر "العولمة" منافحين عن عز سمعة حصلت في الماضي أو ابتدعتاها من أساتذة مرموقين يعمرون جامعاته و معاهده ـ التي تنشئها المراسيم و لا تتعهدها الإرادة الصادقة ـ و لا فئة أخرى منهم يجوبون جامعات العالم فيلقون محاضراتهم العالية القيمة
و الحاملة جديدا في تخصصاتهم كما يفعل ـ على سبيل المثال ـ أساتذةٌ من السنغال و المغرب و تونس و دول أخرى باتوا يحملون صفة العالمية يُلقون في الجامعات الغربية و الشرقية و الأمريكية، و لا خبراء في أي مجال من المجالات "العلمية" و القانونية و العلوم الإنسانية و الآداب و الفنون على اختلاف أنواعها من أمثال الذين يأتون إلينا من حين لآخر، يلقنونا دروسا في فنونهم و يبهروننا بمستويات معارفهم المختلفة و أدائهم العالي.. يحاضرون عن محيطنا و أسماكه و غازه و نفطه و عن تضاريس أرضنا و معادنها و كنوزها، و عن زراعتنا و ماشيتنا و كأنهم أصحاب الأرض و نحن الغرباء.
و في مشهد آخر معر لهذا الضعف المهين تظهر المتابعة لـ"عينات" الآراء التي تبثها القنوات التلفزيونية و الإذاعية عقب عناصر إخبارية و استطلاعات ميدانية حول مواضيع و قضايا شتى ضعفا شديدا وعجزا خطيرا عن فهم هذه القضايا و إدراك أبعادها، و يتَكشّف جليا كل ذلك من خلال تدني ما يرد فيها لغةً و محتوى و أداء و أن الدولة لم تحسن يوما أمر التعليم، و لا المسؤولين عن مادة التربية المدنية في الأسرة التعليمية الاضطلاع بدورهم عن سبق إصرار أو جهل بها.
و إن هذه العينات من الآراء الصادرة ـ على خلفية اضطراب سلوكي و وجل من الكاميرا و الميكرفون ـ عن كل الفئات العمرية، التي يفترض أنها الأحسن، لا تحيط مطلقا بالموضوع و لا تحسن بناء العبارة الموصلة، الأمر الذي يضاف أيضا إلى تدني مستوى الأسئلة الموجهة في أحايين كثيرة و حيث يتأفف بعض الصحفيين عن أداء مهمة الاستجواب فيوكلونها لبعض الفنيين من الفريق.
و إنها للمشاهد الصادمة و المخجلة التي تعري حقيقة يغطيها "الإدعاء" السافر للفصاحة و النباهة و العبقرية و سرعة البديهة و التكيف مع الحداثة و سلوكها و.. إنه لإفتراء كبير أخطر على حراك البلد من كل عامل آخر.
و أما الثانية "العظمى" فذات شقين:
• الأول:
و يتمثل في النهب الأعمى بدون مقابل في المردود على البلد؛ نهب ممنهج لا يتَخلّف عنه أحدٌ أعطي أن يكون في موقع تتراءى له منه سبل اقترافه،
• و الثاني:
الذي هو "الوبال" الأعلى على وطن يتشظى، يأخذ كل تجلياته و أبعاده في سوءات الحياض السياسية العفنة و قد تكاثرت فيها اليرقات و الطفيليات التي لا تحمل خطابا يداوي جراح التشرذم أو توجه إلى البناء للخروج من شرنقة التخلف و التأسيس للمنعة.. فيرى أهل "السياسوية" و هم من شربهم قذى قدحها سكارى و ما هم بسكارى، يُدمرون و هم لا يكفون عن النعيق كلَّ أمل في وعي يحاول رغم أنوفهم أن يبرق للتغيير و الانبعاث من رماد الهوان.
و إن غياب نخبتي المعرفة و السياسة هما اللذان يرهنان هذا البلد الغني بموارده و الاستراتيجي بموقعه لعقلية ماضيه الظلامية و الحاضرة في السلوك و لاستتباب الحال فيه للفساد و الكساد.