في زمن بعيد قادني الحظ العاثر وأصدقاء السوء لسهرة عند فنانة غريبة الأطوار، واثقة بنفسها لدرجة الغرور، رغم أن صوتها يشبه فحيح أفعى عند الغناء في الطبقات الدنيا، وإذا رفعت عقيرتها تأكدت أن سيارة مسرعة فرملت داخل بلعومها الزلق.
كان مجلسها خليطا غريبا من الأفاقين، يتمايلون مع زعاقها ويتغزلون بها ويشيدون بغنائها بشعر حساني مسروق أو غير موزون،
وإذا أخرجت من جيبك علبة سجائر تخاطفوها، وإن وقفت لقضاء حاجة تبعوك ليستجديك كل منهم بإلحاح وصفاقة لا تحتمل.
بعد جولة طويلة من أذية مسامعنا بأدائها أخذت تروي قصصا غريبة عن المشاهير الذين تعلقوا بها والأثرياء والسياسيين الذين ركعوا على أقدامها طربا وحبا لفنها وانبهارا بجمالها.
أما موضوعها الذي استرسلت فيه حتى ساعات الفجر الأولى فكان التهجم بحقد وغل على نجمات الفن في موريتانيا وفيروز وأم كلثوم على المستوى العربي وسيلين ديون عالميا.
كان معها طبال وجهه أحمر كعرف الديك، و يداه بيضاوان تتخللهما بقع سوداء عند مفاصل الأصابع، و له عنق طويلة مخططة كحمير الوحش، من الواضح أنه ضحية انفجار خليط مبيض من اليورانيوم المخصب و البلوتونيوم عالي السمية، و كان كلما رآها تعبت من الإفك بادر بسرد قصص شنيعة عن فناناتنا المتألقات بدأ بالسحر ونهاية بإنجاب اللقطاء و قتلهم، بتفاصيل تشمئز منها النفوس، و بين القصة و الأخرى كانت تقول له بنبرة غير جادة و باستنكار تمثيلي و اضح الافتعال أن يتوقف عن رواية هذه الشناعات في مجلسها ليزداد حماسا، و بعد كل جولة كان يلتفت اليها و يتبادلان نظرات الرضى.
كان هذا منذ أكثر من عشرين عاما، والغريب أنني بعد ذلك اللقاء لم أشاهد لها أثرا في تلفاز ولا حفلة أو شريط مسجل، الا انني رأيت الطبال في فرقة إحدى الفنانات اللواتي كان يفتري عليهن.
الوصول للنجومية في عالم الغناء يحتاج للصوت الجميل، وإتقان الأداء عبر التدريب الطويل والشاق، والكثير من الحظ، ولا يمكن أن تخلق فنانا بالمهارة في الكذب وسباب أصحاب المواهب، كما لا يمكنك أن تجعل من المفسد غير المتعلم والخالي من مكارم الأخلاق زعيما بالتهجم والتلفيق على المختار ولد داداه، مهما كان طبالوك ماهرين في الفحش واختلاق القصص.