وعادت الجارة التي كففنا عنها طويلا أيدينا وألسنتنا، لتنخرط في محاولة أخرى يائسة لدق الإسفين بين فئات شعبنا الواحد، لتنفي قذى الفشل عنها بمحاولة الحديث عن مشاكل لا وجود لها إلا في خيال ماكي المريض وسادته الذين يسيرونه من وراء البحار.
جريمة موريتانيا، كل جريمتها أنها أرادت وقررت أن تكون رقما وفاعلا لا يسبح بالضرورة في فلك محور العاصمتين الجارتين.
جريمة موريتانيا، هي أنه عندما رقص نظام داكار على أنغام توتير الوضع في غامبيا، التي وضعتها الجغرافيا بين فكي الجار العقور، تدخلت وحقنت دماء الإخوة في بانجول، رغم أنف الإيكواس وصال، وقوات غرب إفريقيا التي ما قتلت يوما ذبابة.
لكن ما تعرفه السنغال، وتتناساه تجاهلا وليس جهلا أن ما كان سيبقى، ولم يتغير شيء ذو بال، يحسب لهم في ميزان الاستراتيجيا والثقل والمكانة والعمق.
موريتانيا التي ردت غيظ الحاقدين من ساسة داكار في دورات تشظي وتلون فينيق العداوة والحقد القادم من الجنوب، إلى نحورهم، وهي أقل إمكانات، وأشد عزلة وأضعف عنصرا بشريا وبنى تحتية، لن يعجزها أن ترد الصاع بعشرة أمثاله لو أرادت، والحال إن إمكاناتها المادية أكثر من ذي قبل، ومخالبها أطول منها أيام حاول الجيران غمس أصابعهم في جحيم "نار" كنار.. وما في الرب تعرفه كمبا.
يعرف نظام داكار قدرة موريتانيا على توتير الأوضاع في السنغال، يعرف هشاشة بنيته الاجتماعية وسهولة اختراقه، يعرف الخناجر التي نستطيع أن نغمد في خاصرته..
لكنه يعرف في المقابل أننا حلماء رزينون، وأننا وراث تركة حضارية ثقيلة، تتمثل من ضمن ما تتمثل أنسنة الجيران، وأننا لن نتخلى عن قيمنا بسهولة.
يجب أن يعرف هذا النظام أيضا أن للصبر حدودا، وأن العقلاء يتقون غضبة الحليم.
موريتانيا هذه، التي يكفر حكام داكار بفضلها عليهم؛ تحتضن قرابة المليون مواطن سنغالي، يعيشون معززين مكرمين بين إخوتهم، وليسأل مكي الشيخ الحكيم عبد الله واد عن عواقب إعادتهم إلى السنغال، كما حدث يوما من الأيام، قبل دخول مكي على خط السياسة.
موريتانيا يمكن أن تفعل أي شيء.. وهي قادرة على فعل أي شيء.. وقد أعذر من أنذر.