سأحاول في هذا المقال أن أتحدث بشكل علمي عن التغيير وعن الفرص المتاحة أمام المعارضة الموريتانية لإحداث التغيير، وسيكون ذلك من خلال التوقف مع قانون التغيير الذي يقول بأن : C = A x B x D > X
إن هذا القانون هو الذي يحدد فرص نجاح التغيير، أي تغيير، وسواء كان ذلك التغيير تغييرا فرديا، أو جماعيا، أو مؤسسيا على مستوى الشركات أو الأحزاب، أو حتى على مستوى الدول.
يقول هذا القانون بأن فرص نجاح التغيير والتي يرمز لها بــ (C) تساوي حاصل ضرب درجة الاستياء من الظاهرة (A) في معامل وضوح الرؤية (B) في مستوى الانجاز خلال الأشهر الأولى (D) ويقول القانون بأن هذا الناتج يجب أن يكون أكبر من (X) والتي ترمز لكلفة التغيير
والآن دعونا نتوقف مع هذه العناصر عنصرا، عنصرا:
(C) : ترمز لفرص التغيير، ولكن ما هو التغيير الذي سنتحدث عنه هنا؟ هناك نمطان من التغيير: تغيير جذري ويأتي دفعة واحدة، وتغيير متدرج، وهناك نقاش متواصل بين أهل الاختصاص عن أي النمطين أفضل؟ على مستوى الدول فإن التغيير الجذري يمكن أن نسميه ثورة، والتغيير المتدرج يمكن أن نسميه إصلاحا.
في هذا المقال سنستبعد التغيير الجذري (الثورة) وسنكتفي بالحديث عن النمط الثاني فقط، أي التغيير المتدرج أو الإصلاح، وذلك لأن:
1 ـ الثورة كالموت لا تأتي إلا بغتة، ولا يمكن التخطيط لها، ولا التحكم في توقيت حدوثها، وإنما تأتي فجأة نتيجة لشرارة معينة وقد لا تكون تلك الشرارة بالحجم المتوقع..صحيح أنه يمكن تهيئة الأوضاع للثورة، ولكن في النهاية لا يمكن التخطيط لها، ولا تحديد موعد لها.
2 ـ التغيير المتدرج على الرغم من بطئه إلا أنه أكثر أمانا، بينما الثورة قد تؤدي إلى تفكك الدولة، مثلما ما حدث في أغلب بلدان الربيع العربي.
3 ـ التغيير المتدرج يمكن أن تتحكم النخب السياسية في بوصلته وفي مساره وإلى حد ما في مآلاته.
ولكن هذا التغيير المتدرج الذي نعنيه هنا يجب أن يضمن شرطين أساسيين، وهما خروج الرئيس الحالي من السلطة في منتصف العام 2019، وعدم السماح له بتوريث السلطة.
(A) : وتعني درجة الاستياء أو مستوى الألم الحاصل من الظاهرة المراد تغييرها، فمن المعروف بأنه كلما كانت درجة الاستياء قوية وعالية من ظاهرة معينة، فإن ذلك سيجعل المعنيين أكثر ميلا وأشد تحمسا للتغيير. وفيما يخص حالتنا هذه فمن المعروف بأن درجة الاستياء من واقع البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد بلغت مستويات عالية جدا، وغالبية الموريتانيين في تعطش كبير إلى التغيير، ومن المؤكد بأن مستوى الاستياء سيزداد في العام 2018 مع نذر الجفاف ومع تفاقم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، والتي لا يلوح في الأفق بأنها ستنفرج في وقت قريب. يمكن أن نضيف إلى كل ذلك بأن النظام قد استهلك كل الشعارات، ولم يعد قادرا على إطلاق شعار جديد لخلق أي بصيص أمل لدى المواطنين.كما أنه في الفترة القادمة سينشغل بالأزمة السياسية، وبموعد 2019 عن هموم المواطنين، والتي لم يكن منشغلا بها أصلا وهو ما سيزيد من درجة الاستياء والاحتقان.
في الخلاصة يمكن أن نقول بأن درجة الاستياء من الأوضاع عالية جدا، وستبلغ أعلى المستويات في العام القادم، وهذا عامل مهم جدا في إمكانية حدوث التغيير.
(B) : وهي تعني مستوى وضوح الرؤية، وهنا يمكن القول بأن الرؤية لدى المعارضة الموريتانية ما تزال للأسف ضبابية ودون المستوى المطلوب، وفي اعتقادي بأنه من أجل خلق رؤية واضحة فإنه لابد من الأخذ بعين الاعتبار جملة من الأمور:
1 ـ أن هناك فرصة حقيقية لإمكانية إحداث التغيير في منتصف العام 2019، وأن إضاعة المعارضة لهذه الفرصة سيكون بمثابة الجريمة السياسية التي لا تغتفر أبدا.
2 ـ أن هذه الفترة من تاريخ موريتانيا السياسي هي فترة تضحيات لا فترة تحقيق مكاسب ضيقة لهذا الحزب أو ذاك، أو لهذا الزعيم أو ذاك ..ففي الفترات الحرجة من تاريخ الدول، والتي تكون فيها البلدان على مفترق الطرق يكون من الخطأ الكبير أن تنشغل الأحزاب وقادتها بالبحث عن مصالح حزبية ضيقة.. على المعارضة أحزابا وشخصيات وحركات شبابية أن تعلم بأن هذه الفترة هي فترة تضحيات لا فترة تحقيق مكاسب حزبية أو شخصية، وليطمئن الجميع فلن تضيع التضحيات، فعندما يحين موعد الحصاد سينال كل حزب وكل شخصية مكاسب خاصة به تتناسب طرديا مع حجم ما قدم من تضحيات.
وهنا لابد من تذكير قادة المعارضة بأن الانقلابي محمد ولد عبد العزيز، أو أي انقلابي آخر، عندما يفكر بالانقلاب للاستيلاء على السلطة، إنما يخاطر بأغلى شيء يملكه، وهذه المخاطرة قد تكلفه حياته في حالة فشل الانقلاب. إن من يخاطر بحياته ويضحي بها من أجل تحقيق هدف ما وهو هنا الوصول إلى السلطة، لن يتنازل أبدا عن ذلك الهدف الذي خاطر من أجله بحياته لأشخاص ليسوا على الاستعداد لأن يخاطروا، ولا لأن يضحوا بمصالح حزبية أو شخصية آنية.. إننا هنا لا نطلب من قادة المعارضة أن يخاطروا بحياتهم كما يخاطر أي عسكري يفكر في انقلاب، ولكننا نريد منهم فقط أن يضحوا ببعض المصالح الشخصية أو الحزبية الضيقة من أجل فرض التغيير.
3 ـ أن يكون الهدف السياسي الوحيد الذي تسعى له المعارضة في هذه الفترة من تاريخها هو فرض خروج الرئيس الحالي من السلطة، والوقوف ضد أي محاولة لتوريث السلطة ، وأن تكون المعارضة : أحزابا وحركات شبابية وشخصيات على استعداد لبذل كل ما يمكن بذله من تضحيات لتحقيق هذا الهدف، حتى وإن أدى ذلك إلى ضياع مصالح حزبية أو شخصية كان يمكن تحقيقها.
(D) : تعني مستوى الإنجاز في الأشهر الأولى، وإذا ما أخذنا الفترة الفاضلة بين 5 أغسطس 2017 و5 أغسطس 2019 كظرف زمني لإحداث التغيير المتدرج والمنشود، فسيكون مجال الأشهر الأولى هو أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر من العام 2017. والآن دعونا نسأل ما هو مستوى انجاز المعارضة الموريتانية في هذه الفترة الزمنية؟
للأسف ما يزال مستوى الانجاز قريبا من الصفر، ولذلك فعلى المعارضة أن تقوم بجهود استثنائية فيما تبقى من شهري أكتوبر ونوفمبر إذا ما أرادت أن ترفع من مستوى (D) والذي سيبقى الرفع من مستواه عاملا حاسما في تحقيق التغيير المنشود.
إن مستوى الانجاز في الأشهر الأولى هو الذي سيحدد طبيعة المسار الذي ستتخذه الأحداث خلال السنتين القادمتين. فإن كان مستوى انجاز المعارضة في هذه الأشهر ضعيفا فإن السلطة ستواصل مسارها الأحادي، و ستدعو لانتخابات جهوية وربما تشريعية وبلدية تشرف عليها هيئات جاءت نتيجة لحوار أحادي، وبذلك فسيصبح احتمال كسب المعارضة لرهان 2019 يساوي صفرا أو يقترب من ذلك. أما إذا كان مستوى الإنجاز في الأشهر الأولى عاليا، فإن ذلك قد ينتج عنه إلغاء المسار الأحادي، والبدء في مسار جديد تكون فيه المعارضة شريكا حقيقيا، وهو الشيء الذي ستنتج عنه مؤسسات وهيئات إشراف أقل خضوعا للسلطة، وهو ما سيزيد بالتأكيد من نسبة احتمال كسب رهان 2019.
(X) : ترمز لكلفة التغيير، ولكل تغيير كلفة يجب أن تدفع، وفي حالة التغيير المتدرج فإن الكلفة تكون في العادة بسيطة إذا ما قورنت بكلفة التغيير الجذري. كلفة التغيير يجب أن تكون أقل بكثير من المكاسب التي نتجت عن عملية التغيير، أما إذا كانت الكلفة أكبر من المكاسب المتحققة فإننا نكون في هذه الحالة أمام خسارة، ولسنا أمام عملية تغيير إيجابي. ففي ليبيا واليمن ومصر تمكنت الثورات الشعبية من إسقاط الأنظمة الحاكمة هناك، ولكن الكلفة كانت باهظة، واليوم أصبح البعض يقول بأن مصر في عهد مبارك كانت أفضل من مصر في عهد السيسي، وأن اليمن في عهد على عبد الله صالح، هي أفضل من اليمن في عهد الحوثي والكوليرا والتدخل السعودي والإيراني والإماراتي، وأن ليبيا في عهد القذافي هي أفضل من ليبيا في عهد خفتر وغيره.
هذا القول صحيح إلى حد ما، ولكن هناك حقيقة علينا أن نبينها، وهي أن كلفة التغيير تدفع من قبل الحصول على نتائج التغيير، بينما كلفة عدم التغيير لا تدفع إلا مؤجلة. يعني هذا الكلام بأن المصريين واليمنيين والليبيين لو لم يتحركوا في العام 2011، ولو أنهم تركوا القذافي ومبارك وعلي عبد الله لسنوات أخرى يمارسون أحكامهم الاستبدادية ، فإن ذلك كان سيؤدي إلى زيادة حجم كلفة التغيير، ولكن، وبما أن هذه الكلفة (كلفة عدم التغيير) سيتم دفعها بشكل مؤجل، فإن الكثير من الناس لا يقدر خطورتها، وإنما يقدر خطورة كلفة التغيير، والتي لابد من دفعها مسبقا.
يبقى أن أقول بأن عملية الضرب لا الجمع هي التي تربط بين هذه العناصر الثلاثة التي جاءت في قانون التغيير، ويعني هذا الكلام من الناحية الرياضية بأنه عندما يكون أي عنصر من هذه العناصر الثلاث يساوي صفرا ، فإن النتيجة النهائية ستكون صفرا، حتى ولو كان معامل بقية العناصر مرتفع جدا، هذا على العكس، لو كانت العملية التي تربط بين هذه العناصر هي عملية الجمع، ففي هذه الحالة يمكن أن نجد نتيجة كبيرة حتى ولو كان أحد العناصر يساوي صفرا، إذا ما كانت قيمة العنصرين المتبقيين عالية جدا.
ما أريد تبيانه هنا هو أنه إذا كان مستوى الانجاز في الأشهر الأولى صفرا فإن النتيجة ستكون في مجملها صفرا، ومن هنا يجب تنبيه المعارضة إلى ضرورة التحرك العاجل للرفع من معامل مستوى الانجاز في الأشهر الأولى، ومعامل وضوح الرؤية، وإلا فعليها ـ إن لم تتحرك بشكل عاجل وفعال ـ أن تكبر أربعا على إمكانية حدوث التغيير في منتصف العام 2019.
حفظ الله موريتانيا..