حين تذكر رابطة العالم الإسلامي وأمانتها العامة بالبلد الأمين مكة المكرمة شرفها الله لا بد أن يخطر بالبال بداهة دور المملكة العربية السعودية الريادي في خدمة الإسلام وهيئآته ومؤسساته وأمته بصفة عامة ولذلك فاني أعتبر أن الرابطة هي احدى قنوات الخير السعود البارزة ، كما أنني أعتبر أن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين هي أبرز مآثر الأمة الإسلامية في العصر الحديث .
وفي الحقيقة أن المآثر السعودية في خدمة الإسلام وأمته نموذجا رائعا في خدمة الدين الإسلامي وعلومه ومعارفه وحضارته وقيمه ومثله العليا الرفيعة،ورفع رايتة وتضامن أهله ووحدة كلمتهم بكل أمانة وإخلاص من يوم أن تأسست هذه الدولة الإسلامية العربية الحضارية على يد مؤسسها الباني الأول جلالة المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله وطيب ثراه ، وسار على نهجه وطريقته أبناؤه البررة في الحكمة والريادة وحراسة الدين وصيانته والعناية بأهله وتعظيم علمائه وخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن والعمار والزوار لتلك الأماكن المقدسة التي وصلت خدمتها إلى مستوى راق لا أتصور له مثيل في جميع المجالات .
ولقد كان من توفيق الله عز وجل أن امتد هذا العطاء ليثمر ضمن انجازاته الكثيرة تأسيس رابطة العالم الإسلامي بالبلد الأمين بجوار الكعبة المشرفة في موسم الحج لعام 1381 هـ ، وخلال ما يزيد على خمسين عاما من العمل الدؤوب المتواصل لم تتوان الرابطة عن القيام بمسؤلياتها من خلال سعيها الحثيث لبلوغ اهدافها النبيلة ، التي رسمها المؤتمر العام الأول لحظة تأسيسها فأنشأة في سبيل ذلك العديد من الهيئات التي لها واقع تتردد أصداؤه في جنبات العالم الإسلامي وتشكره الأقليات الإسلامية التي استفادت منه كثيرا وكان عونا لها في تجاوز الكثير من العوائق والمحن ، وايمانا من الرابطة بأهمية شمول العمل التخصصي أنشأت العديد من الهيئات المتخصصة في قضايا محورية تهم المسلمين وفي مقدمتها العناية بالقرآن الكريم دستور المسلمين فأنشأت هيئتين علميتين تعنيان بتعليمه وتحفيظه وابراز مسائل الإعجاز العلمي التي أودعها الله تعالى في كتابه العظيم ، في حين أضحى المجمع الفقهي للرابطة أحد أهم مراجع الفتوى في العالم الإسلامي بما ينتظم فيه من علماء وفقهاء أثرو الفكر الإسلامي المعاصر ، وخطت الرابطة منهجا قائما على الوسطية والاعتدال في الدعوة الى الإسلام عبر إنشائها هيئة عالمية تعرف بالاسلام بما يتناسب مع معطيات العصر التقنية والحضارية وخصصت هيئة أخرى للعناية بالمسلمين الجدد ورعاية مصالحهم وتثبيتهم وتعليمهم، كما أسست الملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين ، وهيئة التنسيق العليا للمنظمات الإسلامية ،كما أنشئت عشرات المعاهد لتدريس علوم الشريعة والعلوم العصرية ، ومنها معهد اعداد الأئمة والدعاة بمكة المكرمة الذي تخرجت منه أفواج متلاحقة من الأئمة والدعاة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، علاوة على تقديم الاف المنح الدراسية لأبناء المسلمين ، وأثرت الرابطة الثقافة الإسلامية بالعديد من الصحف والمجلات والدوريات وأقامت المسابقات البحثية في خدمة السنة والسيرة النبوية وغير ذلك ، كما نشرت وحققت ووزعت الاف النسخ من أمهات الكتب والمصادر والمراجع الإسلامية النفيسة ، بالاضافة الى توزيع المصاحف بكل القرآت وكل الترجمات الذي يتواصل ليل نهار ، واضافة الى هذه الانجازات المتوالية فقد كان للرابطة قصب السبق في الدعوة الى انشاء منظمة المؤتمر الإسلامي ، وهي اليوم أكبر مؤسسة جامعة على مستوى دول العالم الإسلامي ، وادراكا من الرابطة لأهمية العمل الخيري وحاجة المسلمين الى التضامن في الأزمات والكوارث ، أنشئت هيئة الإغاثة الاسلامية العالمية ، التي ملئت فراغا كبيرا في ساحة العمل الإسلامي الاغاثي
وخلال هذه العقود كلها أقامت الرابطة سلسلة واسعة من الندوات والمؤتمرات العلمية والفكرية والحضارية عالجت كل القضايا المهمة في حياة المسلمين ودرست المشكلات المأرقة بمشاركة لأبرز العلماء والباحثين والمفكرين فكانت عطاء ثرّا أسهم في مواجهة العديد من التحديات التي ازعجت المجتمعات الإسلامية وعلى رأسها مشكلة الغلو والعنف والتطرف والارهاب ، كما عملت على صياغة مشروعات تسهم في دفع التنمية في البلدان الإسلامية .
وقد ظل دورها الريادي متواصلا منذ تأسيسها إلى يومنا هذا حيث يقوم معالي الأمين العام الشيخ الدكتور / محمد بن عبد الكريم العيسى – سلمه الله - بتطوير الرابطة وتفعيل دورها في كافة المجالات ولا سيما في مجال الحوار الإسلامي الإسلامي والحوار مع أصحاب الحضارات والديانات الأخرى بمنهج وسطي معتدل يجمع بين الأصالة والحداثة ويقوم على تجديد الفكر الإسلامي ويراعي سماحة الإسلام ويسره في ضوء ينابيع الإسلام الصافية الأولى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عله وسلم ، ويضطلع بالتوجيه والإرشاد لجميع المسلمين في أنحاء العالم بما يحقق آمالهم ومصالحهم بمنهج يقوم على الألفة والانسجام ، ونحن نرى أن معالي الأمين العام للرابطة يعتبر بمثابة مدرسة يستقي المسلمون من معينها كل توجيه وإرشاد يخدم الأمة ويرفع من شأنها فهو من جدد الفكر الإسلامي وحمل لواء الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وقاد مسار الإصلاح في واقعنا المعاصر ، ونحن في الرابطة نعلق على ذلك آمالا كبيرة في رقي الأمة ووحدة كلمتها وازدهار حضارتها حتى تستعيد ريادتها ومكانتها اللائقة بها بين الأمم .
والواقع أن ذلك كله تم بفضل الله تعالى ثم برعاية كريمة من ولاة الأمر والقادة في المملكة العربية السعودية على مدى تاريخ الرابطة ، وهي الآن تشهد تطورا سريعا بدعم كريم وعناية فائقة من خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – ملك العزم والحزم وولي عهده الأمين – حفظه الله - ، حيث يرعاها ويمدها بكل ما يمكنها من تحقيق أهدافها النبيلة وتطوير العمل الإسلامي حتى يتحقق ما تصبو إليه الأمة من رفع راية الإسلام وريادته وازدهاره على الوجه الذي يرضي الله ورسوله والمؤمنين .
الدكتور الطيب بن عمر
مدير مكتب رابطة العالم الاسلامي فى موريتانيا