كانت الليلة شتوية .. وكان الليل مدلهما وسط أنوار خافتة في حي "دار النعيم" الشعبي، الشوارع شبه خالية، والحمّالة يعودون إلى منازلهم ـ باستثناء عمال إفراغ شاحنات الفحم ـ في تلك المدينة التي تعتبر مدينة الحمالة حينها بامتياز، الحمُر الأهلية تسرح في "علاّفاتها" بعد يوم شاق من جر العربات المشحونة.
شارع "بوتيك جمبو" شبه مظلم وهو الذي سجل عمليات تلصص خفيفة خلال الأشهر الماضية، مصابيح السيارات تتراقص هنا وهنالك يمينا وشمالا.
بينا أنا في ذلك البرد القارس ووسط انتظار طويل لأحد الأصدقاء فاجأتني سيارة من نوع "تويوتا" تحبسها الفرامل بسرعة يخرج منها صوت يحاول عبثا أن يهدئ من روعي : السلام عليكم أخي في الله..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله.. قلتها وأعصابي ترتجف..
يبدو رجلا كث اللحية أسمر السحنة فيه بحة يقول بصوت استعطاف : تعال معي لنحضر عقد نكاح.. قبلت على مضض وركبت نحو المجهول مع الرجل المجهول كان موقفي اقرب إلى التهوّر .. سرنا وسرنا نجوب أزقّة دار النعيم ، اقتربنا من "الملعب" دخلنا إحدى الساحات، وقفنا في ذلك الليل المظلم عند باب أحد المنازل، دق الرجل الباب بهدوء، نظرت ذات اليمين وذات الشمال لا أحد من المارة يسعفني..
فتحتْ سيدة أربعينية الباب، عاد الخوف الذي لم يغادر كثيرا عاد الذعر مرة أخرى خاصة أننا دخلنا بابا نصف مفتوح وأحكمته السيدة عند ظهورنا ..
الحمد لله دخلنا بحضرة رجلين يبدو الوقار عليهما كانت الفرحة، وكان تبادل الأحاديث، لا بد انني شاهد على عقد من عقود المسلمين، شربنا كؤوس عصير.. قالت السيدة : اريد عقد قران مع هذا الرجل الذي لم يكن سوى صاحبي، هؤلاء شهود وأحدهما ولي، فألتفت الرجل إلي قائلا: ونريدك أن تعقدنا ..
في البداية رفضت لكن الجماعة كلها اتفقت على رأيه ووسط إلحاح من الجميع ..
عقدت هذا القران الذي لم أكن أعرف صاحبه الذي يشبه الملاحقين أمنيا، ولا أعرف صاحبته ذات الحس الأمني، ولا شهوده ولا وليها بالتأكيد..
فما هو الحكم إذن ؟ سؤال استفهامي وليس استنكاريا ..
مختار بابتاح