الروائية والقاصة والناقدة سناء الشعلان؛ من الأصوات النقدية والأدبية الملفتة للانتباه، إن كان على مستوى الإبداع أو النقد والنجاح الأكاديمي.
فقد تمكنت من تقديم رسالة الدكتوراة قبل أن تنهي العقد الثاني من عمرها بسنتين، ونشرت رسالتها الماجستير وزارة الثقافة الأردنية بكتاب أسمته " السرد العجائبي و الغرائبي في الرواية والقصة القصيرة الأردنية(1) " (2)، ومن ثم نشرت روايتها الأولى "السقوط في الشمس" (2) تلتها مجموعتها القصصية الأولى " الجدار الزجاجي وهي مجموعة كبيرة من حيث الحجم وعدد القصص، (3) " ومن ثم نشرت مجموعتها " كابوس " عن الدائرة الإعلامية في الشارقة التي حصلت أيضا على الجائزة الأولى عن الدائرة نفسها(4)، وأخيراً نشرت مجموعتها الأخيرة "قافلة العطش كما لسناء الشعلان قصص كثيرة في أدب الأطفال، و إبداعات في القصة القصيرة جداً، و مخطوط نقدي لرسالة الدكتوراة بعنوان "الأسطورة في روايات نجيب محفوظ"
وهذا الإبداع النقدي الذي رفاقها منذ سني الطفولة توجها بجوائز محلية و عربية وصل عددها إلى ثمان وعشرين جائزة كانت نهايتها جائزة " جائزة الشارقة للإبداع العربي ".
تحاول سناء الشعلان دوما في معظم قصصها المنشورة أن تخرج من عوالم القصة الواقعية أو الحداثية، -مع المحافظة على النسق الحداثي في القصة- عبر التجريب القصصي الدائم و اختيار أمكنة و أشخاص وزمان مغاير عن الواقع الذي نعيشه ولكنه بشكل أو آخر يرمز إلى معظم المشاكل والأزمات النفسية التي ضربت النفس البشرية وخاصة المشاكل العاطفية والإنسانية التي وَلدّتها الحداثة.
ينطلق السرد القصصي لسناء الشعلان في مجموعاتها الثلاث وخاصة الأخيرة "قافلة العطش " من خيالها الملازم لها منذ سني الطفولة الذي مكنها من البدء مبكرا في الكتابة وأسبغ في ذاكرتها العرض الحكائي وزودها بالكثير من المصطلحات اللغوية المبكرة، كما إنها مارست الكتابة في سن مبكرة جداً وقد شاهدت شخصيا مخطوطة لرواية بسيطة كتبتها قبل أن تبلغ سن الخامسة عشر من عمرها.
وهذا ما يظهر بوضوح من خلال القصص والتنوع السردي الظاهر بوضوح بقصصها، كتبت متأثرة من الخيال الذي تدفق بصباها "ما زلت أذكر حتى الآن ولعي الطفولي الشديد بالقصص الخرافية التي كنت أعدها وما أزال كنزاً لا ينضب تغرف أمي منه في كل ليلة.
في مرحلة الدراسة الجامعية الجامعة تلازمت الدراسة الأدبية مع نموها الأدبي مما مكنها في علوم اللغة والنقد واللعب الجمع بين دهشة الفكرة وامتزاج اللغة السليمة والتي تجددها دوما بمفردات غير مكررة و قد لعب تواجدها بين مجتمع أكاديمي طلاباً ومدرسين لثلاث مراحل جامعية وتنقلها بين جامعة اليرموك والجامعة الأردنية العامل الأهم في تنمية موهبتها الذي امتد عبر مشوارها لأكاديمي في الدراسات العلية التي رافقت سناء في مرحلة دراستها الماجستير و الدكتوراة (7)..
ولعل الفترة التعليمية الأهم التي استفادت منها قصصياً عند تحضيرها لرسالة الماجستير فحققت فوائد جمة في الإطلاع والكتابة في على أهم الأساليب السردية القصصية التجريبية والتي كانت بعنوان "السرد الغرائبي العجائبي في الرواية والقصة القصيرة الأردنية".
مما مكنها من التعرف على الكثير من القصص العجائبية و الغرائبية، كما عرفها على الطرائق والأجواء التي تستعمل فيها تلك الأساليب، والتي تحتاج خبرة ولغة تختلف عن أنماط السرد الواقعي وتلك الأنواع تفوق السرد الواقعي متعة ولكنها تحتاج إلى خبرة جيدة في مزج عناصر القصة في السرد لعجائبي و الغرائبي الذي يعد من أكثر الأنواع السردية صعوبة لأنه يرتبط بثقافة وجغرافية القارئ.
وإذا ما عدنا إلى مجموعة الشعلان الأولى المسماة "الجدار الزجاجي، نجد التأثر الكبير للقاصة في القص الأسطوري أو التي تقترب من حكايات ألف ليلة وليلة (9).
وقد نتوه في تجنيس بعض تلك القصص إلى النمط الحكائي، وهذا ما التمسته عندما ناقشت شفهيا عدداً من الذين اطلعوا على المجموعات الثلاث للشعلان، وذلك لمعظم أجواء القصص التي تعود إلى الماضي وعالم الجان والسحر أو الشخصيات التراثية، وهذا طبعاً خطأ فادح، وذلك لأن الأسلوب السردي الذي تستعمله القاصة؛ هو الأسلوب القصصي الحداثي الذي يركز على شعرية اللغة وعدم تكرار الأشخاص والاختصار الزمني وتكثيف المقاطع القصصية بينما تكون الحكايات عبارة عن "حدوتة " أو قصة خرافية أو تراثية متفككة الحدث وتعتمد على السرد اللغوي الركيك وتكرار الكلمات التي تقترب من لغة العوام بشكل يجعلها عندما تكتب أشبه بسناريو ومع ذلك فان الحكاية هي المسودة الحقيقة لأية قصة ناجحة قبل نقلها إلى عالم القصة.
وكنت أتمنى التكلم عن الأسطورة والرمزية في مجموعة الجدار الزجاجي، ولكن المكان هنا لا يتسع ويحتاج إلى مقالة أخرى وسنكتفي هنا بدراسة مجموعتها الأخيرة قافلة العطش.
برعت القاصة في تسمية هذه المجموعة بقافلة العطش؛ لأنها كانت قافلة حقا، تتجول بين أماكن مختلفة و متباعدة، ومتباينة الظواهر والأشخاص، فالقصة الأولى التي حملت اسم المجموعة تنطلق من أجواء الصحراء العربية، وتنقلنا القصة الثالثة الى عالم الأسطورة اليونانية بينما نعود إلى العاصمة عمان ووسط المدينة في القصة الخامسة ومن ثم تنقلنا القاصة إلى الصحراء المغربية في القصة العاشرة وتعيدنا إلى عالم الريف والوحدة و الفزاعات في لقصة الرابعة ليصل بنا المطاف إلى دنيا السحر والرصد القصة السابعة.
ومع هذا التنوع الذي يجوب مناطق جغرافية عديدة يدخل إلى أعماق وعادات الشعوب لتثبت فيها القاصة مدى ثقافتها في إخراج قصص مغايرة للنمط القصصي الحديث المرتبط بالمدينة والذي يركز -خاصة الكتابة النسوية- على الهموم الداخلية مع إلتزامها بفكرة "الثيمة" المركزية التي رافقت القصص الست عشرة، التي دارت ضمن محور واحد ثابت وهو العلاقة بين المرأة والرجل والنهاية العاطفية التي تصطدم مع الواقع المادي ولكنها حاولت ضمن دراية في الأساليب القصصية و ذلك بكونها ناقدة وطالبة ومن ثم مدرسة لنقد الأدبي الحديث، حيث قلبت الواقع الحديث أو ظهر تدخل الكاتبة في جميع القصص وقد يكون السبب أن النص العجائبي و الغرائبي يحتاج إلى ذهن وخيال القاص نفسه، وقد يكون لإرادة القاصة إعادة الروح الرومانسية للعلاقة بين الجنسين التي تشغل بال القاصة ؟ حتى حاولت قلب الأسطورة وتغير الحدث بل قلبه نهائيا، بأن جعلت الإله يتمنى أن يصبح عاشق أدمي فتصف حاله " تمنى لو أنه يحظى بلحظة عشق حميمة كالتي طلبتها الآدمية ساكنة الأرض" و تعترف في نهاية القصة؛ أن اسم الإله الذي استعملته في القصة غير معني بالحب معترفة أنها أيضا أسطورة لم تحدث، ولكنها أصرت أن تضع شكلا جديدا لهذا العالم المهزوم عاطفيا فتحاول إعادة حتى صياغة نظرة الآلهة للحب.
وهذا ما جعل نساء القصص الواقعية في المجموعة مهزومات عاجزات عن تغير الواقع المؤلم الذي يصيبهم بالكبت والانهزامية كما سيأتي "، بينما كانت نساء ورجال القصص العجائبية و الغرائبية "العالم الخيالي المتمنى"متحديات ثائرات، ولهن شجاعة بالغة حتى في الثورة على حياتهن المرفهة وهذا ما ينطبق أيضا على رجال قصصها الغرائبية، الذي يتيهون في حياة الحداثة مصابين بحالة ضياع إنساني روحي.
على صعيد اللغة إلتزمت القاصة باللغة العربية الفصيحة والأدبية المنقية من العامية، التي امتزجت باللغة الشعرية، مما مكنها من معالجة نصوصها بطريقة سردية حافظت على المظهر الأدبي، حتى تتجنب السقوط في حفرة الحكاية.
فمن القصة الأولى نجد تميزا في الكتابة اللغوية الشعرية " كانوا قافلة قد لوحتها الشمس، وأضنتها الهمة، واستفزها العطش، جاءوا يدثرون الرمال و حكاياها التي تنتهي بعباءات سوداء تشبه أحقادهم " (12) واقتربت كثيرا خلال سردها من التقطيع الشعري النثري وذلك لخصوبة الرومانسية التي تجلت في معظم جمل القصص ورافقت أهم الأحداث التي تشبثت بالملاحم العاطفية ولو تتبعنا الجمل القصصية التي استعملتها في قصة "قلب لكل الأجساد" وهي من القصص الواقعية في المجموعة، لوجدنا أنفسنا نقرأ تقطيع شعري ممتزج بالجمل القصصية " غاب الفارس، غاب اللقاء، غابت الفتاة المتدينة، وبقيت الخطية وشيئ ليلكي، مسحور اسمه الحب "(13) وفي القصة نفسها نقف أمام جملة تقفز من لغة القص إلى الشعر عابرة إلى الشعر الفلسفي الذي يعبر عن كينونة امرأة تحترق بين أحضان الرجال ظانا أنها تنتقم من حبيب غادر دون استئذان وكأنها تطهر خطيئة الحب الفاشل بدنس الرذيلة " في الصباح تستحم، تبكي كثيراً، وترمق الجسد الرجولي العاري بتقزز، وتغادر المكان دون رجعة، ولا تذكر سوى الخطيئة" (14).
كذلك عندما وصفت مشاعرة فتاة مقبلة على الموت، في قصة أحكي لي حكاية عندما تدخل إلى أعماق ذاتها وتحاول وصف خيالها الأنثوي بلحظة انتشاء " أغمضت عينيها، وشعرت بأنها تسقط في أحضان القمر، أسدلت شرائط وردية على نوافذ الماضي الحاضر، وبلا قصد منها وجدت نفسها تتحسس جسدها" 0 (15).
ولأن أماكن القصص بعيدة عن خيال القارئ التزمت طوال القصص ولاسيما الغرائبية العجائبية بنقل القارئ إلى دقائق الأماكن التي ينتقل أو يعيش فيها البطل دون أن تستعمل لغة أو أسماء تجعل القارئ مرتبك في تحليل المقصد أو فهم المعنى.
ففي وصف البدوي الملثم في الصحراء "عيناه كانتا الناجي الوحيد من لثامه حملتا كلماته إلى البدوي الأسمر المممترع بشبابه الأخاذ " (16) أما الصحفية الفرنسية التي جاءت الى صحراء المغرب " كان جسدها دبقاً محملا بالعرق والرمال، تمنت أن تنزلق في بحيرة باردة" (17) وقبل أن تجعلنا نعيش مع تلك المجنونة التي تتعرى في سبيل الحوريات ترسم حالها المتناثر "اخذت تتعرى في لحظة كانت عارية تماما حافية القدمين متطايرة الشعر، كانت قذرة الأعضاء، غير مهذبة الشعر"(18) هذا المنظر المنفر كان يمهد لأن يجعلنا نستغرب أو قد نستعجب أن تكون هذه المرأة عشيقة لأحد الرسامين.
المرأة المهزومة واقعياً:
في القصص الواقعية التي ضمتها المجموعة ظهرت المرأة ضعيفة مهزومة وعاجزة عن إنقاذ نفسها من الكآبة بعكس ظهورها في القصص الغرائبية، وهذا ما أوصلني إلى فهم كثرة العجائبية في المجموعة؛ وذلك لنقمة القاصة على الواقعية المادية التي تسود الواقع الحداثي الحالي، فلجأت إلى محاولة نصر العاطفة في عالمها الخيالي، فعالمنا هذا أذاب عواطفنا، وشتتها، وصهر أرواحنا في الاحتياجات اليومية، مستغنين عن حاجات أنفسنا.
وهذا ما جسدته القصة الرائعة والإشكالية"النافذة العاشقة" التي سيؤيدها بعض من حملة المدرسة الدينية ويعدون عمل البطلة عين الصواب، ويثور عليها آخرون ولاسيما أصحاب نظرية ثورة المرأة وهذا مما قد يجعلنا نعطي هذا القصة نوعا من الغرائبية.
والقصة التي كانت فيها الكاتبة –العليم –وكأنها تعيش حول وداخل البطلة التي تعيش في ظاهرها، باستقلال مادي وبيت يجمعها مع زوج وأولاد، ولكن حياتها روتينية مثل حياة باقي البشر وخاصة مع زوجها "زوج فراش لا أكثر"، وفجأة يهر في حياتها شاب يراقبها مدة طويلة عبر نافذة المطبخ، الشاب يصغرها كثيرا يراقبها بعيون عاشق وليس فضولي أو لص.
هنا يحدث الاصطدام ما بين التراث النفسي –العيب- الدين –الحرام- ورغبة الجسد الجاف –العلاقة عاطفية وليست جسدية، وهذا ما يجعل النص يحاول البحث في أعماق الأنثى غير العابثة التي نسي هذا العالم –الذكوري-كم هي عطشة دوما للمحبة وخاصة عندما تجتمع مع زوج لا يتوجه إليها كجسد.
تنفجر من داخل البطلة امرأة أخرى كانت مدفونة منذ عقود طويلة، صارت تلك المرأة الجديدة ترتدي ثيابا أنيقة، اعتنت بشعرها، تراقبه، تتحدث عنه لصديقاتها.
تلك المقدمات لم تسرِ كما يتوقع القارئ الرومانسي، فقد انتهت بطلتنا مهزومة أمام واقعها فلم تجرؤ على محادثته أو حتى مبادلته الحب والخروج من سنوات الجليد العاطفي ؛ اكتفت بالتكوم ناحبة كل يوم في مطبخها تبحث عن ضوء كان ينير لها ظلمتها الأنثوية.
وكذلك حظ البطلة في قصة"احكي لي حكاية" فهي كانت قد أحبت رجلا يكبرها في السن، ورفض أن يشاركها مشوار حياتها، وبعد أن تزوجت من رجل آخر لم تتمكن على مدى تسعة أعوام من الحياة معه، فاختارت الطلاق أو هو وهبها إياه بعد أن يأس منها.
اكتشفت بعد الفحص السريري أنها مصابة بضعف عضلة القلب، أحب إنهاء معاناتها، وهناك أخذها ملك الموت إلى الجنة كما تتوقعه القاصة وشاهدت حبيبها من هناك.
في هذه القصة فشلت المرأة في اختيار حبيبا مناسبا لها، فالكهل وإن أسعد عشيقة تصغره عمرا فستكون سعادته مؤقتة! وفشلت في أن تتأقلم مع زوج أحبها، وفشلت حتى في إكمال حياتها؛ بعد أن تأكدت سريريا من أصابتها بضعف في عضلة القلب، لأن مرض القلب يرمز للهموم والأحزان المتراكمة التي تحاصر صاحبها حتى "يتكلس قلبه.
في نص مشابه تقريباً جاءت قصة " قلب لكل الأجساد " فالبطلة فشلت في الحفاظ على حبيبها تماماً مثل قصة"احكي لي حكاية" ولكنه رجل شريف قطع الخط مبكرا دون أن يستغل تلك العاطفة، وبطلة القصة هنا تختلف بطريقة تفكيرها عن بطلة " النافذة العاشقة" فالأخيرة كانت عاقلة ولم ترض أن تخسر بيتها وعائلتها ومجتمعها من أجل إشباع العاطفة، بينما البطلة في قصة "قلب لكل الأجساد" –قد يكون لصغر عمرها عن سابقتها- لم تكن تعي نفسية الرجل ولعل عنوان القصة يقدم لفهم النص؛ لآن القلب للحب وليس للجسد وهذا ما يسوقنا إلا أن القصة تشير إلى إنسانة عاطفية بحثت عن الحب في مستنقع الجنس الذكوري.
فبطلة القصة – أو يمكن تسميتها بالشخصية المحورية للقصة- أفهمها حبيبها أن علاقة الحب لديه متلازمة مع علاقة الجسد، فقدمت له الفتاة المتدينة جسدها بعد أن تنازلت على عهد مع ربها بوضع ذلك الجسد بالطريق المستقيم، ولكن حبيبها تخلى عنها ليبحث عن حب جديد داخل جسد جديد.
هذه الهزيمة أنتجت هزيمة أخرى أشد ألما وظلما لنفسها، فقد بحثت عن حبها في أجساد الرجال.
لم تكن بطبيعتها –عاهرة- ولم تشعر بتلك الشهوة البركانية التي تأتيها مع كل جسد جديد ولم تستمتع بالهدايا، بل كانت تعاني من إثم الخطيئة، وظلت فيها النزعة الدينية ولو معطلة.
في النهاية أدركت أنها أضلت الطريق وتلك الشهوة التي كانت تتدفق من جسد حبيبها الذي يحوي قلبا يمدها بحب لم تعثر عليه في جسد آخر.
وهكذا في هاتين القصتين وقصة " احكي لي حكاية "نجد أن المرأة ظلت مهزومة في جميع حالاتها إن تبعت عاطفتها أو قمعتها، فقد كان طرح القاصة مبنيا على قراءة الواقع ودراسة المجتمع الشرقي، فبعض القصص التي تكتبها -المرأة -كانت تعطي الثورة للمرأة متناسيات أن المجتمع لم يهيأ لاستقبال تلك الثورة(19).
وهذا القصة شملت أيضا تعرية المجتمع الذي يحاول تغطية شهوته بالحرية والانفتاح أو بالحب الذي ينتج امرأة عاهرة ورجل بطل، حسب النظرة القاتمة.
وقد لمست في قصة قلب لكل الأجساد نوع من الدفاع عن نظرية "المومس الفاضلة" وتتلخص في أن المومس أو المرأة الإباحية التي تمارس الجنس للمتعة وليس للكسب المادي قد تكون نتاج ظلم أو جريمة اجتماعية ن ولكن للأسف ظلت النظرة دوما لتلك السناء سوداوية وقاتمة.
ولعل القاصة قدمت نوعا قويا من الولوج لتلك المرأة المومس الفاضلة أو الضحية إن كان المجرم ذاتها أو غيرها، فلم تكن تسير وراء الجسد بحثا عن الرذيلة " من جديد تستغفر الله وتسب الحب والخطيئة، كم أصبحت بعيدة عن ذاتها!كم أصبحت بعيدة عن التوبة !بينها و بينهما الخطيئة ومئات الرجال والأجساد وقلبها"(20).
الواقعية القصصية جاءت متفائلة أكثر من سابقتيها في قصة "قطار منتصف الليل"حيث تتوجه المعلمة إلى محطة القطار، لتخبر الرجل الذي سيأتي للقاء تلميذتها، التي تعرفت عليه من خلال "الانترنت"، إنها خدعته عندما أخبرته- لم توضح الكتابة كيف ويحتمل عن طريق الانترنت- أنها طالبة جامعية لتلهو معه.
إلا أن المعلمة شعرت بالحب يختطفها عدما شاهدت الرجل بطلته الأنيقة وباقة الورد الحمراء التي تحملها يده.
لم تتمكن المعلمة من مغادرة المكان قبل أن تتقمص دور تلك الطالبة دون أن تخبره أي شيء سوى اسمها الحقيقي لتكمل معه المشوار.
هذه القصة رطبت - بعض- الشيء أجواء الحداثة المشحونة، ولعها من القصص النادرة التي تعطي صورة متفائلة عن علاقات الانترنت التي تنتهي بسرعة تناسب سرعة حدوثها.
ثورة الحب العجائبي :
بعد العرض الأسطوري الذي شابه ألف ليلة وليلة في المجموعة القصصية الأولى لسناء الشعلان، اتجهت بقافلة العطش إلى السرد العجائبي و الغرائبي، لتمتعنا بخيالها الذي ينطلق بعيدا حتى يحاكي الجماد وتختار أرضيات مختلفة ترتبط معظمها بالريف أو أجواء القرية، وهو المكان الذي يناسب عجائبية الحدث، و هذا نقطة مهمة انتبهت إليها الكاتبة، لأن الريف بطبيعته البسيطة تتقبل أجواء السحر والغرابة والشعوذة، بعكس المدينة التي ترتبط بالعلم والنمط التفكيري الرافض للخزعبلات.
من ناحية أخرى كانت القصص العجائبية ترمز إلى الفشل العاطفي، فكان أبطال القصة الذين عايشوا المدينة يشعرون بفقدان عاطفي شديد، جعلهم يبحثون عن العاطفة والحب من تمثال أو من جنية، أو من لعبة بلاستيكية، تُعرض عليها الألبسة، وهذا ما يجعل الطرح الرومانسي يغلب على القصص العجائبية، مما يترك في نفس القارئ صورة واضحة بتدخل الكاتبة في صياغة أحدا ث و نهايات القصص.
في قصة " الفزّاعة " التي تدور أحداثها في مزرعة ريفية، تصنع فتاة جميلة-مالكة الحقل- فزاعة في حقل الفراولة، فتقع تلك الفزّاعة -الذكر -بحب تلك الفتاة، فأخلص الفزاعة بعمله بإخافة وإبعاد الطيور ليس لأنه فقط صنع لذلك بل لأنه يحبها!! تدخل الكاتبة الى العمق العاطفي الهش لذلك الفزّاعة فتصف "قلبه القشي "وتأثره بصوت الفتاة وكيف يراقبها كلما عبرت للحقل، حتى أنه غرق باللذة وهو يستنشق رائحة عرقها عندما ألبسته ثوبها البالي.
وتستمر عجائبية السرد حتى يغادر الفزّاعة تربته ليشاهد ذلك الشاب الذي أتى لزيارة فتاته –صاحبة الحقل- فتأخذه مشاعر الغيرة إلى سكنها ويدخل إلى البيت بعد أن شاهد الفتاة تبكي بعد نزاع طويل بينها وبين الشاب الذي من المفروض أن يكون على علاقة حميمة معها.
فهل نؤول الفزّاعة بالشاب العاشق لفتاة ثرية ؟ أم عاشق امرأة متزوجة؟ كما في رائعة عبد الرحمن منيف "قصة حب مجوسية" أم هي ضياع الروح الأنثوية العاشقة في غياهب الرجل.
قصة "امرأة استثنائية " عرضت نوعاً من العجائبية الشخصية والحدث العجائبي التراجيدي.
الشخصية الرئيسة "الأنس" فتاة ذات قامة قصيرة حد التقزم، ومشوهة الملامح، تعيش منبوذة بين المحيطين لها، تصف نفسها أنها موهوبة، لدرجة أنها قادرة على تحرير التمثال من عالمه الحجري ليتمكن من الانتقال من موقعه مثل أي شاب، فتلك الفتاة التي نبذها الناس ولم يكن أحد يعطيها لحظة اهتمام لأنها مشوهة، بل وتملك ملامح مقززة عاشت السعادة التماثيل سيما مع ذلك الحجر البشري الذي أعلن حبه لها وصار يرقص معها في المدرج.
تلك الفتاة صارت تقايض المرسومين في اللوحات و المنحوتين في الحجارة بأن تخرجهم من أسرهم على أن يقضوا معها ساعات جميلة.
في قصة "زاجر المطر" تتبدل الشخصيات فبطل القصة شاب وليس فتاة، إلا أنه موهوب مثل تلك الفتاة ولكن ليس بتحرير التماثيل، بل له موهبة استثنائية على توقع قدوم المطر، ولكنه يعاني من حرمان ليس شكلي ولكنه "تعاسة حظ "فهو تيتم باكرا فتزوجت أمه وتركته لزوجة عمه التي كانت تلقبه "أجود الهبيلة" ومع أنه حقق معدلا عالياً في الثانوية العامة إلا أنه لم يكمل دراسته، هكذا ظل حاله السيء يعانق أيامه حتى تعرف على عجوز علمه كيف يكون زاجراً للمطر.
بعد أن رحل الشاب إلى المدينة لم تكن موهبته تنفعه لأن المطر لا يعي للناس شيئا، مثلما يعني الفلاحين، ومع أن شروحات طويلة لازمت القصة فككت أحداثها لأنها شروحا لا تليق بالقصة التي تعتمد على التكثيف بعكس الرواية، إلا أن نهاية القصة توصلنا إلى الفكرة المركزية التي كان من الممكن للقاصة أن تدخلنا إليها فورا بعد تلخيص بسيط لذلك الشاب الذي فشل في المدينة مثلما فشل في حياة القرية لأنه لم يُفهم من الناس الذين كانوا يستخفون به، وهناك في المدينة عشق لعبة بلاستيكية لعرض الثياب في أحد المتاجر، وهنا تبدأ القصة العجائبية فصار الشاب يحادث اللعبة التي بادلته الحب، وتحدثه كل يوم عندما يقف أمامها عن عالمها البلاستكي وتسر له بأمنياتها، بل وتحزن على حياته ويتفقان على الزواج، معضلة تلك العلاقة من سينتقل إلى عالم الآخر، وهذه براعة قصصية بعد عجائبية العلاقة بل جارت القاصة خيال العجائبية ولم تكتفي بعرض سطحي لهذه العلاقة العجيبة التي تجمع رجل مع لعبة، بل نصل إلى معضلة أكثر تعقيدا، فمن سيغير نمط حياته حتى لا تنتهي أمال لعبة وعشق رجل.
الناقد: عمر تيسير شاهين / الأردن