تتسارع الأحداث السياسية مع بداية العام 2018 وتبدأ التحالفات المرحلية بين الأطياف في طرفي المعادلة السياسية (الموالاة والمعارضة) وفيما تشهد الموالاة تصدّعات شديدة تقابلها تحالفات لدعم مرشح مجهول، تشهد المعارضة السياسية تحالفات تجمع أقصى اليمين وأقصى اليسار وحديث في صفوف المعارضة عن مرشح موحد في مواجهة ذلك الرئيس الذي لم يعرف حتى اللحظة من سيكون، وهكذا يفرز المشهد أسئلة كثيرة تتوافق عليها الموالاة والمعارضة أسئلة متزاحمة ومتسارعة مع حركة الزمن السياسي التي تفصلنا عن رئاسيات يوليو 2019 وهذه الاسئلة من قبيل : هل سيترشح الرئيس محمد ولد عبد العزيز ويغير الدستور لصالح مأمورية ثالثة جديدة؟ أم سيطلّق الرئاسة ويبحث عن محلِل جديد إذا كان بالفعل يرغب في العودة مرة أخرى إلى الكرسي؟ ومن سيكون ذلك المحلل؟ هل هو رجل مدني منزوع الصلاحيات؟ أم أن المؤسسة العسكرية الحاكمة في موريتانيا منذ اربعة عقود مصممة على البقاء في هرم السلطة مدى الحياة.
عزيز .. والمأمورية الثالثة:
محمد ولد عبد العزيز جنرال عسكري متقاعد دخل السياسة في مغامرة مشهودة حسب خصومه السياسيين بانقلاب عسكري صبيحة 6 أغسطس 2008 أدخل البلاد بعدها في أزمة دستورية لكنه خرج منها منتصرا على خصومه الذين وقعوا معه اتفاقا في العاصمة السنغالية داكار وتنظيم انتخابات رئاسية في العام 2009 فاز حلالها في الشوط الأول من الاستحقاقات ليستحوذ الرجل على المشهد السياسي وينجح نسبيا في إضعاف معارضته، وبدل أن تعزله المعارضة بمقاطعاتها المتكررة خرج الرجل قويا من رئاسيات 2014 واستطاع حشر المعارضة في الزاوية.
فنحن أمام رئيس يجيد المراوغة السياسية ويلوي أذرع الخصوم في أربع إلى خمس انتخابات مرت عليه وهو رئيس منتخب للجمهورية الإسلامية الموريتانية ذلك الرئيس يستطيع أن يجد ثغرة في الدستور من فقهائه القانونيين تسمح له بالترشح لمأمورية ثالثة إن كان بالفعل يرغب في الثبات على الكرسي، خاصة أن الرجل دافع باستماتة عن استفتاء تشوبه الشبهات الدستورية من كل مكان بل يخالف نص الدستور حسب بعض الفقهاء القانونيين.
فالسؤال المطروح ليس عن المخرج من الأزمة الدستورية إنما هو : هل يرغب الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مأمورية ثالثة؟ وتجيب الوقائع أنه حتى اللحظة لا يرغب فيها أو لنقل ليس متحمسا لها رغم بعض طلبات البرلمانيين والساسة الداعمين له بذلك، فقد صرح ولد عبد العزيز لعدة وسائل إعلام وطنية ودولية، وقال في حملة الاستفتاء الأخيرة : إن الدستور لن يغير وإن قال : إن النظام باق في موريتانيا، فالرجل إذن يريد الجمع بين أمرين المشاركة القوية في الحكم والاعتزال ولو شكليا عن كرسي الرئاسية، لكن من هو رجل ولد عبد العزيز المناسب؟
ولد الغزواني .. وعربون الرئاسة
الفريق محمد ولد محمد أحمد ولد الغزواني هو رجل الرئيس محمد ولد عبد العزيز المخلص منذ أن قادا الانقلاب على الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطائع سنة 2005 وظلا متماسكين مخلصين لبعضهما حتى قادا الانقلاب الثاني على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. يتولى الرجل منذ ما يقارب عقدا من الزمن قيادة أركان الجيوش.
يصف المراقبون ولد الغزواني بأكبر مخلص للرئيس محمد ولد عبد العزيز ويعززون موقفهم بأن الأول وجد فرصة من ذهب لقيادة انقلاب على الثاني يوم رصاصة اطويلة 13 اكتوبر 2012 وهكذا هي عادة العسكريين الطامحين للسياسة يخون بعضهم بعضا مهما كان إخلاصه كلما سنحت الفرصة، لكن ولد الغزواني كان حالة نشاز ورفض كل الطلبات ومغازلة الخصوم وظل وفيا لرفيقه ماسكا بزمام المؤسسة العسكرية 45 يوما متتالية إلى أن عاد ولد عبد العزيز من فرنسا معافى.
واليوم وفي ظل الحديث عن تقاعد الفريق محمد ولد محمد أحمد نطالعنا أقلام المدونين والكتاب تغازل الرجل المتقاعد وتشيد بدوره في بناء المؤسسة العسكرية وتاريخه الناضج والنظيف حسب تلك الأقلام فهل هذه الأقلام تعمل في الظل لصالح وبتنسيق كامل مع الدولة العميقة؟ أم هي مجرد بحث عن صداقة رئيس محتمل؟
الشيخ ولد بايه .. العقيد العمدة
رجل آخر من رجال الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو العقيد المتعاقد وعمدة ازويرات الشيخ ولد بايه، فصداقة العمدة بالرئيس صداقة تصل إلى رحلات الاستجمام في صحاري تيرس زمور ومنحه منصب الأمين العام لرابطة عمد موريتانيا واعترافه بطفرة مالية كبيرة بقوة القانون.
يتمتع ولد بايه بشعبية كبيرة في الشمال الموريتاني وقد ساهم في وساطة بين عمال اسنيم والإدارة العام للشركة، كما يستطيع الرجل ـ حسب المقربين منه ـ تمويل حملة رئاسية قادمة إن كان هو الخيار الأمثل لخلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
شخصية مدنية .,
سيناريو آخر من سيناريوهات توريث الحكم وهو اختيار شخصية مدنية سياسية تحظى بثقة المؤسسة العسكرية وعودة نسخة مصححة ومنقحة من "سيدي ولد الشيخ عبد الله"، وإذا كان هذا السيناريو مطروحا أمام العسكر فقد يكون رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم لما يحظى به من كاريزما سياسية وخاصة في ظل تصاعد محوره السياسي داخل الأغلبية لكن محور ولد حد أمين سيسعى جاهدا لإجهاض حلم ولد محم وأنصار.
الشخصية المدنية الثانية المرشحة لخلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز هي الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد الأغظف وهو رجل ولد عبد العزيز في السراء والضراء ، وقاد في عهده ثلاث حكومات متتالية وساهم في فك الحصار عنه في زمن الانقلابات فهل يكون ذلك هو الخيار الأمثل لولد عبد العزيز.
ومهما يكن فإن الرئيس محمد ولد عبد العزيز وحده وربما دائرته الضيقة يعرفون من هو الرئيس القادم لموريتانيا ويبقى الوزراء والساسة ينتظرون ماذا ستقرر تلك المؤسسة العسكرية..
مختار بابتاح