في الحلقة الماضية من سلسلة "من يحكم موريتانيا سنة 2019" تناولت "الشروق ميديا" حظوظ الفريق محمـد ولد الغزواني للرئاسيات القادمة والأسباب التي تجعله مرشح الدولة القوي ذلك الفريق الذي كان يتمتع بنفوذ كبير منذ العام 2009 مكنه من رئاسة أحد مقربيه للحزب الحاكم وهو محمـد محمود ولد محمـد لأمين كما مكنه نفوذه من تولي بعض مقربيه حقائب عدة وهم وزير الدفاع أحمد ولد الدي و الوزيرة مكفولة منت آكاط تزامن ذلك مع تقاعد عقيد آخر ينحدر من الشمال هو الشيخ ولد بايه.
بدأت معركة النفوذ في نفس العام بين جنرال منحدر من الشرق وبين عقيد متقاعد منحدر من الشمال أو لنقل بدأت المناورات بين مشاة الجيش والبحرية العسكرية.
الآن وبعد ثمان سنوات من تلك المناورات بدت المعركة لصالح البحرية (Marine) بقيادة العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه حيث وضع يده علي الحزب الحاكم عن طريق تعيين سيدي محمـد ولد محم وأشرك وزيره المخلص الناني ولد اشروقة وأخيرا يحسب وزير الدفاع لصالحه وهو جالو ممادو باتيا. فهل تنتهي انتصارات البحرية بإقصاء قائد الفيلق السياسي الآخر الفريق محمـد ولد الغزواني من القصر الرمادي وواد احلام المنحدرين من الشرق؟.
العقيد الشيخ ولد بايه بدأ يصعد نجمه السياسي منذ تقاعده وخاصة في الشمال الموريتاني بين ازويرات وانواذيبو وقد اعترف ذات مهرجان انتخابي بأنه كان يتقاضى ثلاث مليارات سنويا من عائدات الرقابة البحرية.
العقيد الشيخ ولد بايه صديق حميم للرئيس الموريتاني محمـد ولد عبد العزيز يقضي معه العطلة في سهول تيرس الممتدة، يتسامران على قرع كؤوس الشاي وحليب الشول الرِّتاع، صداقة جعلت نفوذه يتصاعد بسرعة صاروخية حيث يبلغ بقوته مدينة نواذيبو وأطراف كبيرة من ولاية آدرار حتى أن القاسم ولد بلالي قال في مداخلة برلمانية أمام وزير الصيد : إن وزير الصيد الحقيفيي منذ العام 2008 هو العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه (مداخلة القاسم على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=XxtkVJ8BaOE
حديثنا هنا عن رجل مثير للجدل ملأ دنيا مواقع التواصل وشغل كل السياسيين بالحديث عنه إيجابا وسلبا وبدأ حديث الصالونات يكثر عن احتمالية رئاسته لموريتانيا 2019 فهل يكون الرجل فعلا خليفة الرئيس محمـد ولد عبد العزيز ؟ وما هو رصيده الانتخابي في الحملة القادمة ؟ وهل يصعب تسويق العقيد للرأي العام الموريتاني ؟.
عسكري بثوب مدني..
أربعة عقود ـ باستثناء حولين غير كاملين من استراحة المحاربين ـ كان العسكر الموريتاني يمسك فيها زمام السلطة ولا يترك فرصة للمدنيين والساسة، أربعة عقود وموريتانيا محكومة من طرف مقدم وعقيد وجنرال، هذا التاريخ الطويل يجعل فرضية عقيد متقاعد له رصيد سياسي وتجربة حكم بلدية خمس سنوات وارد.
ذلكم العسكري الكتوم والمدني المشاغب والشبيه برئيس الجمهورية محمـد ولد عبد العزيز وصديقه الوفي يمكن أن يكون أقنعه في أحد أيام الاستجمام أنه خليفته الشرعي نتيجة للتشابه بينهما والانسجام، ويتبادلان الأدوار بين مؤسسة عسكرية لا يريد الرئيس محمـد ولد عبد العزيز الابتعاد عنها كثيرا وخاصة كتيبة الامن الرئاسي "بازب" التي كثيرا ما طالبت المعارضة بحلها، وبين أغلبية سياسية براغماتية تعلن دعمها بل تبعيتها التامة للمؤسسة العسكرية الحاكمة منذ عقود فيكونا رأسا النظام (على حد تعبير ولد بدر الدين) في هذه الحالة هما محمـد ولد عبد العزيز الرئيس المحتمل للحزب الحاكم بعد تنحيه عن السلطة، والشيخ ولد بايه رئيس الجمهورية المحتمل.
نفوذ بالثروة ..
العقيد المثير للجدل الشيخ ولد بايه رجل يبدو متواضعا في حياته الشخصية فهو الذي يفضل الطبخ لنفسه وبيده..
فهل هذا تواضع أكسبه من حياته العسكرية أم فوبيا الخوف من التسميم؟ ، أم هو الخوف من العدوى أو مظهر من مظاهر التكبر و"التمزاز" ؟
يمارس العقيد الرياضة ويلعب على الدويحة في محميته "لكريرة" بين شنقيط وأطار، ومع ذلك هو رجل من رجالات الثروة التي اكتسبها ـ كما يقول ـ من سنوات الرقابة البحرية حيث اعترف أن القانون كان يمنحه ثلاثة إلى أربعة مليارات أوقية، وتم بها تشييد المنازل واستشفاء المواطنين (تصريحات ولد بايه بالفيديو على هذا الرابط : https://www.youtube.com/watch?v=cxXxwJMnI34
ومن مظاهر ثرائه الفاحش أنه ذات يوم قائظ أرسل سيارة V8 "مكندشة" لإحضار "جِرْو " أهداه له أحد أصدقائه في منطقة آدرار وكان جميع ركاب السيارة هما السائق والجِرْو ..!
هذه المليارات المضاعفة سنوات عدة جعلته يحصل على نفوذ واسع وينفق كثيرا على الحملات الانتخابية ويعيش في ظله مئات مواطني ازويرات ويتسع نفوذه إلى انواذيبو وأطراف أخرى من آدرار.
نجاحات ولد بايه ..
استطاع الرجل بعطائه المتواصل أن يكتسح الساحة السياسية في مدينة ازويرات وانواذيبو ومناطق واسعة من ولاية آدرار ويكسب ثقة الحلفاء السياسيين على المستوى المحلي مما مكنه من رئاسة رابطة العمد الموريتانيين، كما استطاع أن يقود وساطة ناجحة بين عمال شركة "اسنيم" والإدارة سنة 2015.
يسجل لولد بايه أنه يحظى باحترام الشركاء الأوربيين وذلك من خلال إمساكه بشكل قوي وفاعل بملف الصيد البحري والمفاوضات مع الأوربيين ، كما أن له ذراعا قوية في محاربة الهجرة بحكم علاقته مع الأوربيين ، والأسبان بشكل خاص.
ولو لم يكن الرجل من أصحاب الثروة لما استطاع أن يحقق هذه النجاحات السياسية الكبيرة فليس له تاريخ في السياسة ولم ينجح عقيد متقاعد في الجيش مثل نجاحه ونفوذه المتصاعد كما نجح الشيخ ولد بايه، فهل هذه الثروة ستجعل تسويقه للرأي العام سهلا جدا في مجتمع فقير تتجه أنظاره لأصحاب الثروة بدل القادة السياسيين.
من نقاط قوته أنه ينحدر من قبيلة ليست من القبائل الوافرة وهو ما يجعل حظوظه في الرئاسة أكبر حسب تاريخ الرؤساء الموريتانيين الذين تعاقبوا على السلطة وهو ما يبدو غريبا جدا حيث يكون التسويق السياسي للرجل أنه وطني ليست وراءه قبيلة وافرة ومسافة موريتانيا منه واحدة.
ملفات فساد تحاصر الرجل ..
في مقابل هذه الحظوظ والنجاحات التي يملكها العقيد المثير الشيخ ولد بايه فإن ملفات فساد لا تصل إلى اتهام أمام المحاكم وإنما هي قناعات لدى فئات واسعة من الرأي العام أن رجلا اعترف بحيازته على عدة مليارات وأصبح ذلك الخطاب يعاد على مواقع التواصل بشكل متهكم ويتم تسويقه على أنه أكبر مفسد ويسمى عند بعض المدونين ب "حفتر الشمال" وخاصة بعد تصريحاته المسيئة لباب ولد الشيخ سيديا. وأن رجلا استحوذ على منطقة "آكرور" الأثرية التي هي ملك للدولة وحوّلها إلى محمية شخصية له وبدون أي سند قانوني..!
ومما يثير الكثير من التساؤلات والاستفهامات ـ حسب معارضي ولد بايه ـ هو أنه : كيف لرجل أشبع نهمه من تحصيل المال أن يستولي على موروث إنساني ويقوم ببناء حائط محكم القفل عليه (انظر الصور) ويضع رسوما يجب دفعها على أي زائر لذلك المكان ، فهل يعتبر هذا التصرف اعتداء على ممتلكات الشعب الموريتاني؟ وما هو مصير تلك الأموال المحصلة من رسوم زيارة منطقة "آكرور" الأثرية ، وهل سيتم استخدامها في الحملات الدعائية التي تروج لترشيح الرجل لرئاسيات 2019 ..؟
هل يمكن تسويق رجل معروف في الذاكرة الموريتانية بكل هذه الملفات ومن يستطيع تسويقه للرأي العام ، وهل يستطيع بثروته أن يغطي على هذه الملفات التي تحاصره ..ّ
أخيرا ..
قبل شهر من الآن نال العقيد المتعاقد الشيخ ولد بايه عضوية اللجنة العليا المكلفة بتفعيل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وظهر قبل أيام قليلة في استقبال نائب وزير الخارجية الصيني على رأس وفد من الحزب الشيوعي الصيني ، حيث استقبله بالمطار ورافقه طيلة مقامه في موريتانيا ، وكان حضور رئيس الحزب الحاكم سيدي محمـد ولد محم باهتا و ثانويا وظهر كظل للشيخ ولد بايه ..!
وفي انتظار 2019 يبقى الرأي العام الوطني يراقب تحركات لم تعد تخطئها العين من عقيد طموح لا يرضى بأقل من القيادة ..
مختار بابتاح