من حق الموريتانيين أن يعرفوا/ محمد بابا سعيد

أربعاء, 2020-07-08 12:15

هناك تحقيقان أحدهما أجرته هيئة الأوراق المالية والبورصات في سوق نيويورك، ضد شركة التعدين المتعددة الجنسيات "كينروس" ويتعلق بصفقة تجهيزات لوجيستية بقيمة 50 مليون دولار ومبلغ 750 ألف دولار دُفعت كأجور غير مستحقة، والتحقيق الثاني أجراه "مكتب مكافحة الاحتيال" (OLAF) التابع للاتحاد الأوروبي ضد شركة هولندية ويتعلق بمبلغ 3 ملايين يورو. ويثير التحقيقان شبهات حول مسؤولين كبار في الإدارة الموريتانية وبعض رجال أعمال البلد، وقد تم فيهما إثبات شبهات الفساد والتلاعب بالصفقات العمومية وتشويه المنافسة.

تُدافع إحدى هاتين المؤسستين، وهي هيئة الأوراق المالية والبورصات، عن مصالح دافعي الضرائب الأمريكيين فيما تدافع الأخرى، وهي مكتب مكافحة الاحتيال، عن دافعي الضرائب الأوروبيين، ومبالغ الغرامات التي تفرضها جهات الضبط هذه تصب مباشرة في الخزانات العامة لتلك البلدان، ومناخ الأعمال فيها يستفيد عبر فرض الشفافية. ماذا عن موريتانيا؟ كيف يمكننا الاستمرار في قبول بأن بلدانًا أجنبية تتحرّك فيها العدالة وتجري التحقيقات وتصدر الإدانات حول وقائع تهمنا أولاً وقبل الجميع (مناجمنا من الذهب وشواطئنا) دون أن يشعر نظامنا القضائي بأنه معني بذلك؟ من هم كبار المسؤولين ورجال الأعمال الذين استهدفهم التحقيقان؟ ولماذا لا يثير هذا الأمر انتباه لجنة التحقيق البرلمانية الحالية؟

لقد سال حبر كثير حول الاتفاق الذي وُقع عليه الأسبوع الماضي بين الحكومة الموريتانية وشركة "كينروس" حول منجم تازيازت. ويحتدم النزاع بين المدافعين عن هذه التسوية، الذين يرون في تعديل نسبة الريع (من نسبة 3% ثابتة إلى نسبة متغيرة بين 4 و6%) انتصارًا مدويًا لوزير النفط الموريتاني المستمر في منصبه، وبين منتقدي الاتفاقية الذين يعتبرون أن الشركة الكندية متعددة الجنسيات نجحت ببراعة، من ناحية في الحصول على أحد أكثر مناجم الذهب ربحية في القارة، ومن ناحية ثانية في إلزام الدولة الموريتانية بتسديد متأخرات تراكمت خلال فترة تعوزها الشفافية على أقل تقدير.

وفي رأيي، أن الطرفين يغفلان عن الأمر الجوهري، فالأسئلة التي يلائم المقام طرحها كثيرة:

1. كيف للدولة أن تقبل الاستمرار في التعامل مع شركة أدينت بالرشوة المباشرة ولأعلى مسؤوليها؟

2. لماذا لا يُطلب أولاً من كينروس تسليم ونشر الملفات التي أدانتها بمقتضاها هيئة الأوراق المالية والبورصات، وهي إدانة لم تقدم استئنافًا بشأنها بل دفعت الغرامة؟

3. من هو المسؤول الحكومي الموريتاني الرفيع جدًا الذي عبّر عن معارضته لنتائج مسطرة مناقصة عادية نظمتها كينروس لمنح صفقة لوجستية بقيمة 50 مليون دولار، والذي فرض بدلاً من ذلك اختيار "رجل أعمال بارز ونافذ" ؟

4. من هو "الشخص الذي تعتقد كينروس أنه كان على اتصال وثيق بمسؤولين حكوميين سامين في موريتانيا (والذي) تواصل مع موظفي قسم العلاقات الحكومية بكينروس"؟ هذا الشخص الأخير انتهى المطاف بأن فرضه "المسؤول الحكومي الموريتاني الرفيع جدًا" ليعمل مستشارًا ويشرع في النهب و"بين سبتمبر 2014 وأغسطس 2015، دُفع للمستشار حوالي 715 ألف دولار".

كان من الأهمية بمكان أن تسائل الحكومة كينروس قبل أن توقع معها على هذه الاتفاقية الأخيرة. وكون هذه الاتفاقية تفاوض عليها وزير البترول، الذي كان يتولى زمام المسؤولية خلال الفترة التي كانت موضع تحقيق الهيئة الأمريكية، لا يضفي عليها الكثير من الشفافية. فالاشتباه في وجود تضارب في المصالح ليس أمرًا مستبعدًا، ومن الأهمية بمكان أن تطلب لجنة التحقيق البرلمانية، التي تتضمن صلاحياتها التدقيق في إدارة الموارد البترولية خلال السنوات العشر الماضية، الاطلاع على تفاصيل تحقيق هيئة الأوراق المالية والبورصات.

وحالة المسؤوليْن المذكوريْن في تحقيق المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال هي من نفس القبيل، فيجب على العدالة الموريتانية أن تطلب الوصول إلى الملف، وأن توسّع، إذا لزم الأمر، نطاق التحقيق. إن مصالح دافع الضرائب الأوروبي يدافع عنها المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، فمن يا تُرى يتولى مسؤولية الدفاع عن مصالح الدولة الموريتانية ودافع الضرائب الموريتاني؟

 

فساد مؤكد

سأقدم لكم فيما يلي ملخصًا جزئيًا قصيرًا لكل من التحقيقين وأعطيكم الروابط للوصول إليهما جميعًا.

أولا: الفساد في كينروس (https://www.sec.gov/litigation/admin/2018/34-82946.pdf)

تلوم هيئة الأوراق المالية والبورصات كينروس على فشلها في الامتثال للإجراءات المتبعة في تمرير الصفقات وفي الالتزام بالأخلاقيات لدى التعامل مع المسؤولين الحكوميين. وهي تتهم كينروس بواقعتين:

1. في أبريل 2014، كانت كينروس قد اختارت للتو شركة شحن دولية للدعم اللوجستي ضمن صفقة بقيمة 50 مليون دولار. لكن الإدارة المحلية تأخذ علمًا بأن مقدم العرض الذي وقع عليه الاختيار، والذي قدم أفضل عرض، لم يكن يروق كثيرًا لمسؤول رفيع جدًا في الحكومة الموريتانية، بسبب صلات مزعومة بالمعارضة. وستوافق كينروس في النهاية على تغيير اختيارها ومنح الصفقة لفرع من شركة أخرى أنشأها للتو رجل أعمال نافذ للغاية، وله علاقات مع هذا المسؤول الرفيع جدًا.

2. وفي عام 2014 أيضا، قدم شخص نفسه على أساس أن لديه علاقات قوية مع المسؤول الرفيع جدًا الذي أثر في مسار منح الصفقة السابقة، وطلب العمل كمسؤول للتنسيق مع الحكومة الموريتانية. ونظرًا لمستوى الأجر الذي كان يطلبه هذا المتقدم، لم تتمكن إدارة كينروس المحلية من تعيينه كموظف عادي وتوجب عليها أن تعرض عليه وظيفة مستشار. وكان حجم هذا الراتب يتطلب اعتماداً من الإدارة العامة، وهو ما لم يحصل. وبين سبتمبر 2014 وأغسطس 2015، حصل الموظف الجديد على مبلغ طائل قدره 715 ألف دولار.

ويمكنكم الوصول إلى حكم هيئة الأوراق المالية والبورصة بالكامل على الرابط:

: (https://www.sec.gov/litigation/admin/2018/34-82946.pdf).

 

ثانيا: اكتشاف المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال وشركاؤه لخطة احتيال في موريتانيا: 3 ملايين يورو يجب استردادها

مكتب مكافحة الاحتيال (OLAF)، هو هيئة أوروبية مسؤولة عن تتبع المساعدات الأوروبية لضمان ألا تكون موضعًا للفساد. وبعد تنبيهه إلى حالة من الممارسات المشبوهة التي ارتكبتها شركة هولندية ضمن صفقة لإزالة 57 قطعة من حطام السفن كانت قد تسببت في انسداد خليج نواذيبو وتشويهه، طلب المكتب مساعدة دائرة المعلومات والتحقيقات المالية (FIOD)، وهي هيئة هولندية مكلفة بالتحقيقات الضريبية.

وفي 7 يناير 2020، أرسل المكتب توصياته إلى المفوضية الأوروبية موصيًا بوضع آلية لاسترداد مبلغ 3068000 يورو بعد أن أثبت ووثّق أن الشركة المخالِفة قد انتهكت قواعد التعاقد من الباطن ومنح الصفقات، عن طريق الرشوة المباشرة لمسؤوليْن موريتانيين اثنين.

ويمكنكم الوصول إلى المصدر عبر هذا الرابط:

https://ec.europa.eu/anti-fraud/media-corner/news/26-03-2020/olaf-and-partners-uncover-fraud-scheme-mauritania-eur-3-million_en

 

 

المصدر: صحيفة القلم

ترجمة: الشروق ميديا

اقرأ أيضا