أرشيف | يوم تحدث المختار ولد داداه عن الوحدة الوطنية وعن الصحراء وفلسطين

خميس, 2020-12-31 07:06

ترجمات "الشروق ميديا" - بمناسبة مرور ستين عامًا على استقلال موريتانيا أعادت مجلة "جون آفريك" الشهر الماضي نشر مقتطفات مطولة من مقابلة موسعة كانت قد أجرتها مع الرئيس الراحل المختار ولد داداه ونشرت في 1 ديسمبر 1973. وتنشر الشروق فيما يلي ترجمة لمقتطفات المقابلة التي أنجزها مراسل الصحيفة جان بيير انجاي الذي التقى ولد داداه في نواكشوط عام 1973، قبل خمس سنوات من الإطاحة به على يد العسكريين:

نص مقتطفات المقابلة:

في نواكشوط، العاصمة الصغيرة التي أنشئت على عجل، وفي 28 نوفمبر 1960 ومن فوق منصة سقيفة مضاءة بالكاد أعلن المختار ولد داداه (37 عامًا) في صمت الليل نيل بلاده "استقلالها التام". كان رئيس الوزراء قد انتخبه البرلمان المحلي قبل يومين رئيسًا للدولة، منهيًا 58 عامًا من الاحتلال الفرنسي.

كان حاضرًا أمامه رئيس الوزراء الفرنسي ميشال ديبري وتقريبًا جميع رؤساء دول التكتل الإفريقي الفرنسي الذي تأسس عام 1958، ولا سيما فيليكس هوفويت بوانيي الإيفواري، والسنغالي ليوبولد سيدار سنغور وكذلك الغابوني ليون إمبا.

جميع أعضاء جامعة الدول العربية تقريبًا قاطعوا الحدث تضامنًا مع المغرب الذي يزعم أن موريتانيا "جزء لا يتجزأ" من أراضيه. ورغم الكفاح الذي باشره النشطاء المناهضون للاستقلال، نجح المختار ولد داداه في فرض مشروعه: بناء دولة وطنية يسكنها العرب البربر و"الموريتانيون الزنوج"، والتي ستكون "حلقة وصل" بين إفريقيا السوداء وشمال إفريقيا.

على المستوى الدبلوماسي، ستحظى البلاد بعد ذلك باعتراف الأمم المتحدة في أكتوبر 1961 قبل أن تصبح، بعد أقل من عامين، عضوًا مؤسسًا في منظمة الوحدة الأفريقية. وقد اعترف المغرب باستقلال البلاد عام 1969 ودعم ترشيحها لجامعة الدول العربية عام 1973.

هذا البلد الذي نال الاستقلال في 28 نوفمبر 1960، يسكنه بيضان من أصول عربية وبربرية وأفارقة سود، وله جذوره في عمق منطقة الساحل. وبدافع من الصرامة التي تمليها الجغرافيا، قرر قادة البلد منذ الاستقلال، أن يمنحوه شخصية لا لبس فيها: فهو دولة إسلامية، واللغة الوطنية هي اللغة العربية. وقد خرجت البلاد من منطقة الفرنك وأنشأت عملتها الخاصة، وهي الأوقية. ولم تعد جزءًا من التكتل الفرنكوفوني [لغرب إفريقيا]، والتحقت بجامعة الدول العربية.

كان المهندس الرئيسي لهذه الشخصية الموريتانية هو المختار ولد داداه، وهو شخصية مبتعدة عن المظاهر، لكنه استطاع عبر المثابرة والتصميم رسم معالم الواقع الحالي. ولد في عام 1924، في بوتليميت، لعائلة متوسطة الحال من البيضان، شديدة التدين ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعائلة أهل الشيخ سيديا الكبيرة، من سلالة القبائل البيضانية الكبرى التي حافظت على أصالتها الثقافية في مجتمع إقطاعي شديد الانغلاق. ومن هناك سيبدأ في التعرف على التاريخ الخفي، وذي الإشعاع في نفس الوقت، لقبائل الصحراء التي ارتقت إلى حد بعيد بفنون الدبلوماسية والتبادل التجاري والسلطة. بعد التحاقه بمدرسة أبناء الأعيان في سانلوي، عمل مترجمًا في الإدارة الاستعمارية، وسمحت له وظائفه باستيعاب أساليب التوازن التي كانت تمارسها السلطة الاستعمارية. وفي عام 1948، انتقل إلى فرنسا حيث أصبح محاميًا.

في مكتب بسيط للغاية في مقر الحزب، وفي جو شديد الحرارة، ظل ثابتًا لمدة ساعتين ونصف تقريبًا، دون أن يتشتت أبدًا انتباهه أو تركيزه. مزاج مقاوم بشدة، ورجل زاهد. والأسئلة الأكثر إحراجًا، تمامًا كالأسئلة الثانوية، لا تستفزه بأي شكل. نغمة حديث معتدلة كما لو أن الزمن قد توقف وخرج الرجل من الصحراء! ومن خلال عرضه الذي يعبر عنه في تسلسل منتظم، يظهر باستمرار التأكيد على فكرة أن موريتانيا هي همزة الوصل بين العالم العربي وإفريقيا السوداء.

بيد أن الطابع الذي تقتضيه همزة الوصل هذه، والتي قبل بها الجميع من حيث المبدأ، يترك على أي حال المكون الأسود في المجتمع الموريتاني في حيرة من أمره. ففي الواقع، لكي تؤدي موريتانيا دور همزة الوصل هذه، يجب أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أساسية: أن البلد يتكون من مجموعتين ثقافيتين لهما لغاتهما الخاصة، حتى لو كان يجمع بينهما نفس الدين. ومع ذلك، فإن الاعتراف بهذه الشخصية المزدوجة المتميزة للغاية، من منظور ثقافي ولغوي، يبدو غائبًا لصالح إعطاء الغلبة للثقافة العربية في الدولة، وهو ما يمس مصير الموريتانيين الزنوج ومكانتهم في الأمة. وهذا أمر لا يمكن أن يتجاهله الرئيس المختار ولد داداه.

جون آفريك: لقد اندلع من جديد الصراع في الشرق الأوسط، واتخذ منعطفًا غير مسبوق. وبلدكم، وهو همزة الوصل بين أفريقيا جنوب وشمال الصحراء، أدى منذ عام 1960 – أي تاريخ حصوله على الاستقلال - دورًا دبلوماسيًا دائمًا من أجل تشجيع الدول الأفريقية على القطيعة مع الدولة العبرية. كيف ترى النتيجة؟

المختار ولد داده: سأجيبكم بمثل موريتاني: لا نريد أن ندعي فضلًا ليس لنا. ومع ذلك، يجب أن أخبركم أنه منذ الاستقلال، أدركنا أن مكونات إفريقيا -من السود أو العرب- لم تستوف جميع الشروط اللازمة من أجل تفاهم أفضل. بل لعلي أقول حتى إنه يوجد سوء فهم. وأود أيضًا أن أضيف أن الاستعمار له علاقة كبيرة بذلك؛ فوفاء لمنهجه "فرق تسد" وسّع وعمّق سوء الفهم المذكور.

هل تعتقد إذن أنه توجد علاقة بين السياسة الاستعمارية والموقف المتحفظ للأفارقة اتجاه العالم العربي والمشكلة الفلسطينية؟ هل يمكنك توضيح هذه الفكرة التي، كما أعتقد فعلًا، تمثل رأيك؟

جيد! في كثير من الأحيان، يخاطب الأوروبيون السود ويقولون لهم: العرب استعباديون وعنصريون، وعندما يخاطبون العرب، يسرون إليهم بأن السود يعانون من مرض الاضطهاد، وأنهم يعانون عُقدًا، ويفتقرون إلى الثقافة... إلخ. والنتيجة هي أن العلاقات مسممة، وأن الهوة الفاصلة توسعت. لذلك كان من الضروري ربط الجزءين.

في البداية، كنا نحن الموريتانيين في وضع سيئ للغاية لنؤدي دورًا تاريخيًا في التقارب، مع أنه دور يوكله إلينا التاريخ. لماذا؟ حسنًا، أولًا وقبل كل شيء، بسبب المطالبات المغربية ببلدنا، فقد تجاهلنا العالم العربي لفترة طويلة. حتى إنه لم يعترف بنا عند استقلالنا، باستثناء تونس. لكن الجزائر لم تكن مستقلة حينها. هذا هو السبب في أننا لم نؤد هذا الدور بشكل كامل، وأيضًا لأننا لم نكن نحظى باعتراف إلا من قبل إخواننا من إفريقيا السوداء. لم تثبط عزيمتنا أبدًا، بل واصلنا العمل من أجل التقريب بين الطرفين لأنهما متكاملان فعلًا.

مصر هي إفريقيا. إنها أفريقية في أحد أجزائها وشرقية في آخر. ومن الواضح أن إفريقيا والعالم العربي متماسان جغرافيًا. لذلك لا توجد أي حاجة لإثبات وجود تكامل ثقافي وحتى عرقي. الدين الإسلامي، التي نشأ في الشرق الأوسط العربي، لم يقتصر على فتح كل شمال إفريقيا ولكن أيضًا معظم غرب إفريقيا، وبالتالي نشأ مصير مشترك بين هاتين المجموعتين. إذن، هذا هو العامل الأول الذي يدعو إلى الوحدة. والعامل الثاني هو الاستعمار. إذ سيعزز هذا الأساسَ التاريخي الذي هو الإسلام.

إذن، فالإسلام باعتباره رؤية روحية للعالم، والاستعمار باعتباره وضعًا سياسيًا، يمثلان عاملين للوحدة بين العالمين العربي والإفريقي. هل يمكننا أن نستنتج أنكم، اعتمادًا على هذه العوامل، طورتم عقيدة سياسية؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا قدر كبير من الأصالة!

نعم. أليس هذان العاملان مشتركَيْن في جزءي إفريقيا كليهما؟ إفريقيا والعالم العربي، ألم تسيطر عليهما نفس القوى: الفرنسيون والإنجليز؟ هذا أمر فهمناه منذ البداية. وعلى هذا التأسيس لهويتنا، بنينا فلسفتنا السياسية بهدف التقريب بين إفريقيا بشكل عام والعالم العربي.

في عام 1960، عندما كنت أقول إن موريتانيا همزة وصل بين هذين العالمين وإن هذا يضع عليها مسؤولية محددة، كان الجميع يرد متبسمًا بمن في ذلك بعض الموريتانيين. ومعنى ذلك أن النفوس لم تكن تتقبل تلك القصة. لذلك كنت أقول إننا قوبلنا بالرفض في البداية. لم يكونوا يريدون التعرف علينا. لكن لله الحمد، انتهى أشقاؤنا المغاربة إلى الاعتراف بالواقع.

كيف بدأ مسار الاعتراف؟

في مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية، في مايو 1963، التقيت الرئيس جمال عبد الناصر. كان لقاؤنا حاسمًا، وكانت تلك لحظة تطبيع علاقاتنا مع العالم العربي.

كانت الجزائر قد حصلت على استقلالها خلال هذه الفترة، لذلك لم تشارك في تلك التحفظات، واعترفت بنا على الفور. بوسعي أن أخبرك أيضًا بأن بعض الرفاق من رؤساء دول إفريقيا السوداء اعترفوا لي بأنهم لا يفهمونني. لكننا عملنا بإصرار، والحقيقة يجب أن تنتصر.

سأخبرك أيضًا أنه عند ولادة منظمة الوحدة الأفريقية، خلال الاجتماعات الأولى حيث كان علينا تحديد موقعنا فيما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط، لم يكن يجري التطرق للمشكلة بشكل مباشر، لقد كانت من المحرمات! وهاك مثالًا معبرًا: فقد أُنشئت منظمة الوحدة الأفريقية في مايو 1963. وأول مرة نوقش فيها النزاع في الشرق الأوسط كانت في سبتمبر 1967 في كينشاسا، من خلال قرار خجول للغاية قدمه الوفد الموريتاني. وصُوت عليه في الجلسة الختامية، تقريبًا في آخر لحظة.

ومن ثم فمنذ عام 1967، تطرقت مؤتمرات المنظمة للمشكلة بقدر أقل من الخجل، وتبنت تدريجيًا الموقف المصري.

ماذا عن المشكلة الفلسطينية؟

كان الجميع تقريبًا يتهربون منها. كانت كابوسًا واستند الخوف من معالجة هذه المشكلة في جزء كبير منه إلى الجهل الذي غذته الدعاية الاستعمارية الجديدة والصهيونية.

ومع ذلك، فإن التطور سوف يتسارع عام 1967. والنتيجة النهائية هي أن الدول الأفريقية ستبدأ في قطع علاقاتها مع إسرائيل. ومثّل ذلك أوضح تعبير ملموس عن التضامن مع الشعوب العربية، وأبرز إدانة النزعة التوسعية الإسرائيلية.

ولم يكن هذا التطور نتيجة لجهود موريتانيا وحدها. بل أدت دول أفريقية أخرى دورًا حاسمًا في هذه القضية داخل منظمة الوحدة الأفريقية والمنظمات الدولية، وكذلك من خلال إقامة علاقات ثنائية مع البلدان العربية. لكن يجب أن أقول إنه أي بلد لم يتمكن من أن يؤدي الدور الذي اضطلعنا به، نحن الموريتانيين، باعتبارنا همزة وصل.

يُقال، ولا بد أنكم سمعتم ذلك، إن الحكومة الموريتانية موالية للعرب وإنها شرق أوسطية أكثر منها إفريقية، وأن هذا انعكاس لسياستكم الداخلية.

إن البيضان والأفارقة السود ليسوا مجرد إخواة توائم، بل هم توائم سياميون. إن دورنا أمر أملته علينا الطبيعة، وبالتالي، فهو يضع على عاتقنا واجبًا طبيعيًا. وفي يوليو-أغسطس 1973، كلفت حكومتنا وزير خارجيتنا بنقل رسالة إلى جميع رؤساء الدول العربية. ولن أفشي سرًا بقولي إن التضامن بين إفريقيا والعالم العربي أمر يمليه التكامل بينهما.

تذكر هذه الرسالة بالحاجة الملحة بأن تعمل الدول العربية على مساعدة الدول الأفريقية الأكثر فقرا. لأنه إذا كان الله قد أنعم على العالم العربي ومنحه موارد أكثر، فإن من واجبه في المقابل أن يشرك فيها إخوته السود.

وأستطيع أن أؤكد لك أن جميع الإجابات كانت بالموافقة من حيث المبدأ. إن أساس موقفنا هو أننا لا نريد فقط الحصول على حل للمشكلة الفلسطينية، وهذا أمر لا يعدو أن يكون ظرفيًا، بل أيضًا على دعم مستمر من العالم العربي لأفريقيا السوداء، وهو أمر يجب أن يكون دائمًا.

هل يمكنكم تقديم تفاصيل عن فكرة الاتحاد الفيدرالي التي أعلنتم عنها أو أطلقتموها والتي يفترض أن تشمل بلدكم إلى جانب الجزائر والمغرب؟ ولماذا لم توجه الدعوة إلى بلدان أُخَر في المنطقة للانضمام إلى مشروع الاتحاد هذا؟ ألا يلاحظ وجود استقطاب حضاري بين العالم العربي وإفريقيا السوداء؟

أولا، لم أسمع بهذا الاتحاد مع الجزائر والمغرب. حصل اجتماعان بين الجزائر والمغرب وموريتانيا: أحدهما في نواديبو عام 1970، في موريتانيا، والثاني مؤخرًا في أكادير بالمغرب. كان ذلك في يوليو 1973. وبوسعي أن أؤكد لك أنه خلال هذين الاجتماعين، لم يُتطرق إلى مسألة إنشاء اتحاد فيدرالي. لقد تناولنا بشكل أساسي أمرًا آخر، ألا وهو تصفية الاستعمار في الصحراء "الإسبانية" وعلاقاتنا الإقليمية.

من ناحية أخرى، فقد أكدنا منذ عدة سنوات رغبتنا في الانضمام إلى المغرب العربي. وقد بدأت هذه الرغبة تتجسد عام 1970، بعد تطبيع علاقاتنا مع المغرب. لكن الانتماء إلى المغرب العربي أمر طبيعي بالنسبة لنا، تمامًا كالانتماء إلى منظمة استثمار نهر السنغال أو إلى التكتل الاقتصادي لغرب إفريقيا، أو الانتماء مستقبلًا إلى التجمع الإقليمي لغرب إفريقيا الذي سيجمع الدول الأربع عشرة في منطقتنا، الناطقة بالإنجليزية والفرنسية. هذا المشروع يمثل رغبة لدينا. وهذا يفسر لماذا، بالنسبة لنا، لا تطرح العلاقات مع المغرب العربي وغرب إفريقيا ولم تطرح أبدًا على أنها مسألة اختيار بين هذا وذاك، بل باعتبارها متكاملة.

هذا الموقف يبدو أصيلًا جدًا، فهل لكم أن تفصلوا المسألة أكثر؟

موريتانيا هي صورة مصغرة لإفريقيا، فهي أرض التقاء حضارتين إفريقيتين عظيمتين، وهي فخورة بأن تُظهر لإفريقيا والعالم أنها تباشر حاليًا تجربة تحث على اجتراح وتطوير أمة إفريقية أصيلة، تضم مكونيْن عرقيين إفريقيين.

وقد استوعب أسلافنا هذا الدور، أي دور همزة الوصل، وأولئك الذين يتخوفون من رؤيتنا نميل بشدة، شمالًا أو جنوبًا، لا يعرفوننا. باختصار، تود موريتانيا أن تضطلع بهذا الدور الذي تحدثنا عنه طوال مقابلتنا. ويجب أن أضيف أيضًا أن موريتانيا المستقلة لم تخترع شيئًا. فقد استوعب أسلافنا هذا الدور، أي دور همزة الوصل. فالقوافل القادمة من شمال الصحراء إلى جنوبها تحمل الأفكار والبضائع كانت تعبر موريتانيا. كما شملت إمبراطورية المرابطين، التي نشأت في موريتانيا وامتدت حتى إسبانيا، مناطق واسعة أيضًا من غرب إفريقيا. وشملت إمبراطورية غانا كل مساحة موريتانيا.

أين هو الخلاف بين الجزائر والمغرب وموريتانيا وإسبانيا حول الصحراء التي تسمى بالصحراء الإسبانية؟

لقد حدثتك منذ هنيهة عن اجتماعين عقدناهما حول هذا الموضوع. لقد كان الأمر يتعلق أساسًا بالسعي إلى توحيد جهودنا لتحقيق تصفية الاستعمار في هذه الأراضي الإفريقية؛ وذلك وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، أي بتطبيق مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير.

حتى الآن فضلت بلداننا الثلاثة (الجزائر والمغرب وموريتانيا) المعنية ترابيًا بشكل مباشر بالمسألة، هذه الطريقة السلمية لكي نحافظ قدر الإمكان، على علاقات حسن الجوار التقليدية مع إسبانيا التي ظلت عربية مسلمة على مدى ثمانية قرون.

وكما تعلمون، لطالما كانت لإسبانيا علاقات جيدة مع العالم العربي. وفضلًا عن ذلك، دعمت حتى الآن القضية العربية في النزاع بالشرق الأوسط. ولم تعترف بإسرائيل قط. ولهذا السبب اخترنا هذه الطريقة للتعامل مع إسبانيا ونأمل أن تكون ناجحة. وإلا فإن دولنا ستقبل الحل الذي تدعو إليه منظمة الوحدة الإفريقية.

هل ينص دستوركم على الحق في وجود أحزاب معارضة؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا؟

كلا. لقد أردنا أن نكون متسقين مع أنفسنا. في الواقع، وبعيد استقلالنا مباشرة، توصلنا إلى القناعة بأن نظام التعددية الحزبية كان ضارًا، بل قد يكون قاتلًا لوحدة أمتنا التي أردنا تحقيقها رغم كل عوامل الجذب المركزية التي لا أحتاج إلى التفصيل فيها. بيد أن هذا القرار لم يتخذ هكذا عبثًا. فأنا المستعمَر فكريًا، الذي لم يحاول بعد إعادة تغيير عقليته، كنت قد أنهيت للتو دراساتي في القانون في باريس، حيث تعلمت كل مبادئ القانون الفرنسي المقدسة، من فصل للسلطات وحتى مونتسكيو... ولأنني شاهدت انحرافات التعددية الحزبية الفرنسية في ظل الجمهورية الرابعة، فقد تعلمت بما يكفي من التجربة لكي أفهم أن الحزب الواحد هو الأداة الوحيدة التي تمكننا من بناء وحدتنا الوطنية ومحاربة آفات الفوضى. ولم نغير رأينا بعد.

أين هي العلاقات مع فرنسا بعد توقيع الاتفاقيات الجديدة؟ بوضوح، ما هي الخطوط العريضة للتعاون الجديد؟

يعتمد تطوير هذا التعاون بشكل أساسي على فرنسا. إذا كانت تريد التعاون، فنحن على استعداد لذلك في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك؛ لكن بشرط الاحترام المطلق لشروطنا: أي إنشاء عملتنا، وخروجنا من منطقة الفرنك؛ وكذلك احترام نتائج مراجعة الاتفاقيات الموقعة عام 1961، والتي، والحق يُقال، كانت ذات طابع استعماري جديد. أعني في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، لأنني كما قلت مرارًا لا أؤمن بالنشاط الخيري الذي اتخذا نمطًا منظمًا، ولاسيما بين دولة كانت مستعمَرة بالأمس وأخرى كانت بالأمس قوة استعمارية. وشهادة للتاريخ، أود أن أقول إن علاقاتنا مع فرنسا لم تكن في يوم من الأيام ممتازة رغم المظاهر والأشكال.

وقد كادت علاقاتنا الدبلوماسية أن تكون منعدمة، لأن سفيرنا الأول في باريس رفض اتباع مسار تقديم أوراق الاعتماد الذي تتبعه الدول التي بقيت في التكتل [الفرنسي] بعد الاستقلال. حصلت توترات حادة بشأن حرب الجزائر والتجارب النووية الفرنسية في الصحراء ورفضنا الانضمام إلى "المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية" [التي أنشأتها فرنسا عام 1957 ثم أُلغيت في 1963]. والآن، بعد أن تحررنا من عقدتنا باعتبارنا مستعمَرين، لم نعد ننظر إلا إلى المزايا في التعاون مع القوة الاستعمارية السابقة في بلدنا.

اقرأ أيضا