جميل من منطقة القبلة
ولد سيدي من محيط الرئيس ..
ولد سيدي المختار من محيط الددو
الشروق ميديا ـ نواكشوط : نظم حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" مؤتمره الرابع في الوقت المحدد له حسب الآجال القانونية التي تنظمها نصوص الحزب المحسوب على تيار الإخوان المسلمين العالمي.
و يطرح المراقبون أسئلة كبرى عن مستقبل هذا التنظيم الإسلامي الذي يتنامى دوره في الساحة الوطنية، وتشغل بعض قياداته مواقع متقدمة في المؤسسات الدستورية (البرلمان، المجالس الجهوية .. المجلس الدستوري.. اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات..) والهيئات التنظيمية في الدوائر الرسمية. ويستعد لخوض انتخابات تشريعية ومحلية هي الأولى له في ظل قيادة الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وخلافا لكل توقعات المراقبين لم ينتخب المؤتمر محمد غلام ولد الحاج الشيخ، ولا الشيخاني ولد بيبه والذي كان يدعم احتمالية رئاسته للتوازنات الجهوية بعد جميل من منطقة "القبلة" وولد سيدي من منطقة "الشرق" بل تم ترشيح نائب كيفه حمادي "امادي" ولد سيدي المختار
أسئلة المؤتمر الرابع..
ثمة أسئلة تطرح نفسها بإلحاح بعد هذا المؤتمر : ماذا دهى الصف القيادي لحزب تواصل حتى استأخر عن التنافس على قيادة الحزب مع ما تحمله من رمزية ومزايا معنوية إن لم نقل مع بعض خصوم الحزب إن هناك مزايا مادية أيضا لتلك القيادة؟
من الواضح أن أغلب قيادات الصف السياسي الأول في الحزب، الذين لا يحسب من ضمنهم الرئيس الجديد، ولا الرئيس السابق قبل توليه الرئاسة، لم يتحمسوا للترشيح من طرف المؤتمرين، دون أن يكون هناك سبب واضح لذلك. وهنا لا يبقى إلا طرح مزيد من الأسئلة:
هل استبعد المزاج العام لمؤتمري تواصل كل القيادات المحسوبة على أحد الطرفين، وبالتالي أصبح قبول الترشيح يعني ترشحا للهزيمة المحققة؟ هل أصبحت قوى الضغط داخل الحزب الأديولوجي رافضة لقياداته السياسية؟ لا أحد يملك الإجابة عن هذه الأسئلة بدقة، لكن المؤكد أن هناك مفاجأة للمراقب الوطني، والتواصلي، برئيس من خارج الدائرة الأولى للقيادة السياسية للحزب للمرة الثانية، وخروجا لرئيس بعد مأمورية واحدة استغرقها في الصراعات لتثبيت وجوده، وتراجعا لدور القيادات السياسية في حزب سياسي ما زال "يافعا" لما يتجاوز سنين المراهقة.
وهذه كلها مؤشرات على أن تواصل لم يواصل المسير إلى الأمام بعد قائده المؤسس جميل منصور، وأنه، وإن كان سليما من حيث الشكل، من أمراض الأحزاب السياسية في هذه الربوع، فإن أعراض الشيخوخة المبكرة قد بدأت تظهر على جسمه.
قد لا يكون الإرباك المؤسسي الناجم عن التركيز على الديمقراطية الشكلية وحده ما أدى إلى هذه الشيخوخة المبكرة، فهناك تقلص مصادر التمويل الخارجي، وهناك حالة التراجع التي شهدها تيار الإسلام السياسي في العديد من الدول العربية لأسباب متعددة، وهناك بالتأكيد تراجع حالة الاستقطاب السياسي محليا، وقد كانت تستفيد منها كل الأحزاب المعارضة، خصوصا وأن رئيس تواصل المنصرف لم يحاول استثمار حالة التهدئة السياسية لبناء المؤسسة الحزبية، وظل يراهن، مدفوعا بتحليل من حلفه السياسي الداخلي، على اندلاع أزمة سياسية لا يوجد لها وقود في الداخل، وليست هناك نماذج مغرية يمكن استيرادها من الخارج.
من هو الرئيس الجديد؟
بقليل من التدقيق في خلفية الرئيس الجديد يتبين أن ولد سيدي المختار المنحدر من ولاية لعصابة كان إلى وقت قريب يجلس على دكة الاحتياطي السياسي لتواصل، مؤطرا من موقعه الدعوي في المحضرة التي توارثها آباؤه، ومنها استمد جزءا من زخمه المحلي الذي أهّله لدخول البرلمان مرتين، بعد أن حالت مائة صوت بينه وبين المقعد في الترشيح الأول عام ٢٠٠٦.
لا يحتفظ أرشيف الإنترنت بالكثير من التعبير عن المواقف السياسية لولد سيدي المختار ، كما لا يشتهر بخطب ومقابلات في الإعلام الوطني تشرح رؤيته السياسية الوطنية، أو رؤيته فيما يتعلق بمواقف حزبه، أو خياراته السياسية الكبرى باستثناء مداخلات برلمانية كانت في الغالب عن "نقاط نظام"، كما يحتفظ إسماعيل ولد موسى ولد الشيخ سيديا في أرشيفه بحديث لرئيس "تواصل" الجديد يتحدث فيه عن جميعة الحكمة الدعوية سنة 2004 وقد نشره ولد الشيخ سيديا على
جدار صفحته الفيسبوكية.
كما أن ولد سيدي المختار ليس من قيادات الحزب التي تنشط في وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لم يجد البحث في التعرف على آرائه فيما تبادلته قيادات الصف الأول في تواصل من تنابز ، خرج بعضه إلى وسائل الإعلام، وأبان عن تباين كبير في الآراء والتوجهات، كما كشف عن تيارات متباينة الرؤى، إلى حد التناقض، من القضايا الوطنية الكبرى، خاصة من حيث العلاقة بالسلطة الحاكمة، ونظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وفي ظل الفراغ الذي يتركه غياب التصريحات والمواقف المعلنة، يقول العارفون بولد سيدي المختار إنه أحد رموز التيار الدعوي القريبين من رئيس الحزب الأسبق محمد جميل منصور، وهو ما يجعله من يمين الوسط في الحزب الـذي ساد فيه تيار محافظ طيلة السنوات الخمس التي شكلت مأمورية ولد سيدي الوحيدة.
وهو ما تشير إليه بعض التزكيات التي نالها الرجل مبكرا، كشهادة العمدة والنائب الشيخاني ولد بيبه، وهو من المناوئين لجميل فكريا، واجتماعيا، لكنه من المتماهين مع طرحه السياسي، خاصة في قضية العلاقة بالسلطة.
من جهة أخرى فإن اختيار الرئيس الجديا سيكون تحقيقا لحلم القيادي التواصلي محمد غلام ولد الحاج الشيخ، بضرورة تقديم "أبناء لخيام لكبارات" لقيادة الحزب، واستمرارا لسيطرة الأرستقراطية الزاوية على المواقع المؤثرة في قيادة إخوان موريتانيا، وهي سيطرة لم تخترق إلا من طرف الرئيس السابق للحزب محمد جميل منصور.
علاوة على هذا فولد سيدي المختار، بحكم الخلفية العلمية التقليدية، والانتماء الاجتماعي، مقرب من أهم المراجع الشرعية، والدعوية، والعلاقاتية، للتيار عموما ولحزب تواصل خصوصا، وهو الشيخ محمد الحسن ولد الددو، ما يعني تعزز تأثير الشيخ الددو على الذراع السياسي لإخوان موريتانيا، واستمرار الارتباطات الإقليمية والدولية للحزب.
إن الخلفية المحظرية، والاهتمام الدعوي اللذين يمثلان أهم رافدين لشخصية ولد سيدي المختار السياسية، إضافة إلى وعيه بحجم الصراع الذي يعانيه الحزب، وتركة ولد سيدي الثقيلة في الإخلال بإدارة التوافقات داخل الحزب، ستجعل "إدارة أزمة تواصل القيادية" أقرب إلى طريقة ولد سيدي المختار من حلها. ولذلك فإن التفاؤل الذي أبداه ولد بيبه من قدرة رفيقه على جمع "المتناقضات التواصلية" تعبير عن موقف ولد بيبه من الانتخابات الداخلية الحالية، وليس استشرافا مبينا على حسابات واقعية.
هل تدعونت السياسة؟
تعود بنا الذاكرة إلى ثلاثة عقود من الزمن عندما كان الإسلاميون يطالبون بترخيص أول حزب إسلامي هو حزب "الأمة" بقيادة الداعية محمد ولد سيدي يحي، فكان الخطاب السياسي حينها مجرد محاضرات دعوية، وكانت ساحات السياسة هي المنابر الدعوية، فهل من الصدف أن يتم انتخاب الداعية الجديد وهو من نفس محيط ولد سيدي يحي ونفس النهج تقريبا، أم هو حنين بعض الدعاة إلى عودة السياسة للمنابر الدعوية بدل "براغماتية جميل" و"تحرر وديعه" ..
بالتأكيد سيعيد مجيء الرئيس الجديد الجناحين الرئيسيين فرصة لالتقاط الأنفاس، فهو إضافة إلى كونه هزيمة مباشرة لتيار ولد سيدي والسالك ولد سيدي محمود، وإخراجا فعليا له من دفة القيادة، لا يمثل "نصرا كاملا" لأطروحات جناح جميل منصور ، والداعمين له، أو "المجاورين له" في الصف القيادي في تواصل.
فالدعوة لم تتسيس بمجيء ولد سيدي المختار لقيادة تواصل، بل قطعت السياسة خطوة جديدة باتجاه "الدعونة".
كان ولد سيدي يستعين بسياسيين من أمثال السالك ولد سيدي محمود، وبمناضلين من أمثال وديعة، وبتكنوقراط أمثال ولد شعيب، ويحيى ولد أبوبكر، وكان ينفتح أحيانا على مشورة بعض الإعلاميين المنتمين للحزب من أمثال الهيبة ولد الشيخ سيداتي، وهي أسماء لا يتوقع العارفون بتواصل أن تكون في دفتر اتصالات الرئيس الجديد لأنه سيرفض أن يكون امتدادا لسابقه كما رفض سابقه القبول بالبقاء تحت وصاية الرئيس السابق.
كما أن "نفض الرئيس الجديد الغبار" عن تيار جميل واستعادة الصلة به سيفتح عليه نيران مناصري سلفه الذين قد تستغرق استدارتهم نحو السيد الجديد بعض الوقت.
لم يوفق ولد سيدي في تأسيس الحزب على أسس جديدة، وربما لم يسعفه الوقت في تجريف الأسس التي وضع سلفه جميل، والمتوقع أن الرئيس الجديد لن يتمكن من تجريف أسس ولد سيدي، وبالتالي سيدير "الأمر الواقع" بسياسة تأجيل مواجهة أسئلة التأسيس، وتسيير أزمات الحزب، ولن يتغير كبير شيء، ولن تتحدد بوصلة جديدة لكيان سياسي تريد قيادته المنصرفة والجديدة أن يكون "محرابا مقدسا" وتأبى السياسة إلا أن تجعله "ساحة صخب" تقلق السكينة.
سيكون "محرابا صاخبا" لا يصلح للصلاة الخاشعة، ولا يتسع لصراعات السياسة، وعلميا قيل إن الهجين يأخذ السالب من صفات أبويه.
مستقبل الحزب..
يرى المراقبون أن انشطارات جديدة ستقع في الحزب قبيل الاستحقاقات القادمة على غرار ما وقع في الاستحقاقات الماضية، وربما تكون القادمة على أساس فكري فمن يدري أن جماعة جميل ووديعه "التقدمية" سيتخرج وتتمرد على جماعة ولد سيدي المختار "الدعوية" وتنشئ حزبا جديدا مثل ما فعلت جماعة أردوغان في تركيا التي خرجت من عباءة نجم الدين أربكان.
ويفترض بعض المحللين أن جماعة الإخوان المسلمين اليوم في موريتانيا اضحت تسيطر على المشهد الإعلامي الرسمي والمستقل وبالتالي فحزب "تواصل" لم يعد أولويتها الحالية، وإنما تركته كخزب دعوي يستقطب أكبر كم من الدعاة والعلماء تحت يافطة كانت هي أهم تشكيلة سياسية معارضة قبل انتخاب الشيخ امادي ولد سيدي المختار رئيسا لمأمورية خمسية قادمة.