النداء الأخير لفخامة الرئيس.. ارحل قبل فوات الأوان/ وداد اميه

جمعة, 2024-03-01 10:20

 

في تجربة العالم النمساوي إروين شرودنغر الشهيرة حول ميكانيكا الكم اقترح أن نتخيل قطة محبوسة في صندوق تعتمد حياتها على ذرة مشعة متحللة ، إذا تفككت الذرة فسيعمل نظام التتابع ويسقط المطرقة على قارورة السم لتموت القطة وإذا لم تتحلل الذرة ستبقى القطة على قيد الحياة، بعد فتح الصندوق نستطيع رؤية حالة واحدة محددة فقط، إما أن النواة قد اضمحلت والقطة ميتة أو أنها لم تتحلل والقطة حية ، قبل ذلك كانت القطة المفترضة حية ومية في نفس الوقت.

بلدنا العزيزة يشبه قطة شرودنغر هو حي وميت في نفس الوقت لكن حين تحين لحظة الحقيقة -وليست بالبعيدة- سنكون أمام إحدى الحالتين .
قبل ذلك لنتحدث حول علم الإحتمالات ، ترجح الرياضيات أننا حين نفتح القفص سنكون أمام بلد ممزق ومتهالك وعلى وشك الفناء، الحقيقة أنه يذبح من نهاية السبعينيات ولعل فرضية أنه سيخرج حيا مفرطة في التفاؤل ، القيام بنفس الخطوات في نفس الظروف وتوقع نتائج مغايرة هو أحد تعريفات الغباء، نحن ندور الفساد منذ عقود ثم نتوقع الذهاب للأمام ، في الأمر مغالطة كبيرة للذات ، نحن نعيش مأساة تختلف عن بقية مشكلات الكوكب ، نتصالح مع التناقض بشكل غريب واستثنائي ، كل شيئ هنا بالمقلوب، يتصدر السياسة حملة السلاح ويتربع على عرش الإقتصاد لصوص وتلعب النساء دور الرجال والأسوء هو تصدر " التيفاية" فيها المشهد الديني ، لم يحدث في أي مكان آخر أن تمت ترقية موظف من طرف نفس مجلس الوزراء الذي عزله سابقا بشبهة فساد إلا في بلد العجائب هذا، في المشهد السياسي والإجتماعي مراهقات " البوادي" أكثر نفوذا من البقية بسنوات ضوئية ، لا تفوقهم في ذلك إلا فئة لم يرد لها تعريف محدد في قاموس اللغة العربية حتى الآن ، هنا يمارس الجميع أدوار غيرهم ، العسكري يتصدر السياسة ، المومس تأخذ مكان العغيفة وفي الوظائف يستحوذ مواليد ما قبل الإستقلال على ظائف غيرهم حتى لحظة مواراتهم الثرى لذلك شاهدنا مؤخرا أكبر موجة هجرة في تاريخ البلد ومعظم من هاجروا هم من فئة الشباب ، خرجوا مرغمين للمشي في مناكبها والبحث عن حياة كريمة في بلاد العم سام ، أصلا لا مكان لهم هنا فالبلد كله مصمم لخدمة العجائز وأسرهم وخليلاتهم لكن برأيكم من عليه الرحيل حقا ؟ أعتقد أن الإجابة المنطقية كانت لتكون أن لصوص المال العام وملاك العقار في إسبانيا وذويهم و"ملحقاتهم" من عليهم الرحيل قبل فوات الأوان لو ملكوا عقلا يجيد أمرا آخر غير النهب والسلب وخيانة الأمانة وطعن واحتقار البلد الذي أكرمهم ، حسنا لا يتوقع الوفاء من اللئيم!

قد يجادل البعض بأن البلد يعيش في هدوء وأمن وبذخ من الديمقراطية والحريات وأرقام الحكومة توحي بأن الإقتصاد ينمو والأمور تتحسن أو ذلك ما يبدو ظاهرا أقله ، سنعود مرة أخرى لفيزياء الكم لنعرفكم بنظرية اسمها نظرية " الأكوان المتوازية" والتي تفترض أن كل شيئ يحدث في نفس اللحظة وأن أحدنا لديه نسخ في عوالم أخرى ، أعتقد أننا معاشر الموريتانيين نمتلك نسخة موازية لأنفسنا ولبلدنا غير موجودة في عالمنا لذلك يغلب علينا الإنفصام عن الواقع في كل شيئ.
 الكل يعتقد أنه يبلي حسنا حين يرتكب أكبر الموبقات ، مزور الدواء عندنا متصالح مع نفسه ويعتقد أنه تاجر يخدم البلد والمجتمع وفي الغالب يكون ذا مظهر متدين ومنفقا ومشاء للمساجد ولا يجد في نفسه حرجا ولا مكان لحقيقة أنه قاتل لعين لا في تفكيره ولا حتى في تقييمات المجتمع ، الرؤساء عندنا عندما يخطبون في الأعياد يتبادر لذهنك أنهم يحكمون فنلندا وليس بلاد البؤس هذه ، منهم من يرى نفسه في منزلة خليفة راشد سادس، لا يتعلق الأمر بالرؤساء وحدهم، فالمعلم الذي لم تطأ قدماه يوما المدرسة التي يفترض أنه يقدم فيها خدمة جليلة يتذمر من ضعف الراتب ولا يرى مظلوما غيره ولم تنجب النساء أنبل منه!!!!

الفساد مستشر هنا منذ عقود لكن ما راكمه هذا النظام منه في سنوات قليلة يعدل فساد كل الأنظمة السابقة مجتمعة من حيث الكم ، لعل أحد الأسباب تضاعف المداخيل العمومية والإقتراض بشكل هيستيري ، اللص الذي كان يسرق مليونا لم يعد يرضى بأقل من المليار ، بالمناسبة هل لاحظتم تصالح الموريتانيين مؤخرا مع كلمة "مليار" ، قبل سنوات قليلة كان رقما أسطوريا لا يمكن لفرد امتلاكه ، أصبح مؤخرا كجرد رقم عفوي لحفاة عراة وفي سنوات قليلة ، يحدث ذلك في بلد ثلثا مواطنيه تحت خط الفقر المدقع !!!!

في العالم الطبيعي حين يتفشى الفساد وينتشر الفقر ترتفع الأصوات المطالبة بالتغيير ، هنا كل ما اشتد الفقر تناسلت مبادرات المطالبة بمأمورية أخرى والمفارقة العجيبة أن المطحونين أكثر حماسة لها من عتاة اللصوصية والغلول، الضحية هنا يظهر أعراضا واضحة لمتلازمة استوكهولم لكن الليل مهما كان طوله سينجلي بصبح يعيد الشباب لبلدهم ويطرد عصابات العجائز هذه ولو افترضت أنني ملزم بتقديم نصح للنظام الحالي فسيكون كالتالي : هناك جملة شهيرة في المطارات تقول " النداء الأخير لركاب الرحلة....." لا تفوتوا رحلتكم ، ليس من مصلحة الرئيس الترشح لمأمورية أخرى ، عليه وعلى بقية أركان نظامه عدم تفويت رحلة قد تكون آخر فرصهم للنجاة.

وداد ولد اميه.

اقرأ أيضا