ليس منا من لا يعرف ويعترف بفضل الرئيس أحمد ولد داداه وبمكانته في القلوب، حتى سمي حبيب الشعب، تلك المكانة التي اكتسبها بمواقفه وبنضاله وصدقه في ذلك النضال، وقف الرئيس أحمد فور عودته للوطن في وجه الفساد والمحسوبية والظلم، وقف في وجه تحالف القبيلة والعسكر والفساد، وقف وما في الموت شك لواقف، لكنه لم يرهب الوقفة ولم يهبه الموقف، فانثالت حملات شيطنته ورميه في دينه ومروءته نثرا وشعرا، حتى غدى التهجم عليه والتبخيس من شأنه طريقا معبدا للحظوة ومسلكا للتقرب من النظام وأزلامه، وما أكثرهم، لم يكترث الرئيس أحمد لذلك ولم يرد عليه، موقنا أن الزبد يتحول جفاء بسرعة، وأن الأيام كفيلة بتبيان المعدن الأصيل، لذلك زادت حظوته في القلوب وزاد تقديره لدى الأنظمة المتعاقبة، وزادت عداوة الدولة العميقة له، لأنه ظل يمثل الطائر الشارد المغرد بقيم وأخلاق تمجها الأنظمة وتكره كل من يرتبط بها أو يذكرها.
لم يحول الشعب الموريتاني حبه للرئيس أحمد واحترامه له إلى بطاقات لصالحه في الاقتراعات المتعددة، بل ظل يهبه حبه وتقديره، ويهب صوته لخليط الفساد والقبلية والعسكر والتمصلح، لكن ذلك لم يفل في عزم زعيم المعارضة ولم يثنه عن مبادئه ونضاله، ولم يجعله ينفر من الشعب أو من أي من قوافل داعميه الذين يتخذون منه محطة للاستراحة قبل إعلان بيانات التأييد والمساندة للحاكم، وظل يبادلهم الاحترام والصفح والكف عن الأذى مقابل كل ما يقومون به.
اتخذت رئيسنا قرارات كانت متعجلة وأملتها ظروف معينة ودفعت لها أصوات من داخل الحزب كانت لها أجندات خاصة مثل موقفكم من انقلاب الرئيس عزيز على الرئيس المرحوم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لكنكم سرعان ما عدتم لرشدكم ولموقف جماهيركم وعارضتم الرئيس عزيز وصدقتم في معارضته لأنكم لستم من الذين يحسنون اللف والدوران، بل مارستم السياسة بصدق وأخلاق، ولعل تلك هي الخلطة السرية التي عجز عنها كثيرون وحببتكم لدى أعدائكم أكثر من مناصريكم.
لقد وقفتم المواقف المشرفة المدافعة عن الشعب، والتي طرحت لأول مرة ما صار الجميع يتداوله وكأنه مسلمات من المطالبة بالعدالة والوحدة الوطنية ومحاربة الفساد والانتصار للشعب المقهور، فلم تثنكم ماكينات الدعاية في عهد معاوية ولا سجنه ولا إغلاقه لمقرات الأحزاب ولا ضغوطه وضغوط نظامه، كذلك فعلتم مع عزيز طيلة عشرية الفساد، فكشفتم الفساد ونددتم بتحويل الدولة لملكية خاصة، ولم يتضعضع موقفكم ولم تنل منكم حراب عزيز ولا حراب المنتصرين له.
أما الآن فمع السن وتعب الرحلة، ومغادرة رفيقة الدرب، فقد استفردت بكم ثلة قليلة من المتمصلحين المقربين، الذين يستغلون صدقكم وبراءتكم، فيحولون الأبيض أسودا في عيونكم، ويروجون لكم الأكاذيب عن الجميع، حتى جعلوا ساترا من الكذب والزور بينكم وبين مناصريكم الذين رافقوكم في الرحلة ولم يخونوكم ولم يبيعوكم بثمن بخس لدى دوائر تريد أن تثني قامتكم الشامخة، لأنكم مرغتم أنوفها أيام كانت مع معاوية، وكذلك عندما تحولت مع أثاث الرئاسة إلى عزيز، في هذه المرة استحكمت منكم لأنها استعملت معكم سلاح البطانة المقربة، فرشت وعينت ومولت واقتطعت، فكذبوا وزوروا ودبجوا القصص وقلبوا الحقائق، وأنت سيادة الرئيس تصدقهم، لأنك لا تعرف الكذب ولا تتوقعه من غيرك، خصوصا من يظهر لك الصدق والتبتل في مصلحة الحزب ومصلحة البلد، ولعلكم لاحظتم سيادة الرئيس أنهم لم يدخلوا قاعة الاجتماع أمس لأنهم يخافون ما سيسمعون من المناضلين ومن الغيورين على الحزب وعلى الوطن، ولأنهم كذلك قد دبروا أمرهم بليل بدعم من دوائر تريد تركيع الرمز، و التلاعب بقيمته ومعناه، ولكن هيهات.
السيد الرئيس
لقد علمتنا أن الحزب مؤسسة يشترك فيها الجميع، وأنكم راع لهذه المؤسسة وأنكم تحافظون على خطها النضالي وعلى تاريخها المقترن بتاريخكم، كما علمتمونا أن القرار في الحزب يتخذ بالأغلبية إن عجزنا عن التوافق، لذلك فسنظل على تلك الطريق وعلى ذلك الخط، حتى ترجعوا إلينا عندما تنقشع هذه الغمامة، وتعود الرؤية إلى وضوحها.
السيد الرئيس، لن نشارك في الإساءة لكم، ولا إلى تاريخكم النضالي، ولن نحتفل مع من باعكم بدراهم معدودة، وسنبقى في الحزب، وعلى خط الحزب ننتظر عودتكم إلينا وإلى الصواب عن (الصواب)..