يمثل العمل الإنساني ذروة سنام فعل الخير الذي يقوم به الإنسان تجاه غيره من بني البشر إنقاذا من المخاطر وإغاثة من الكوارث الطبيعية وغيرها مما يصيب المجتمعات والأفراد من ظواهر الفقر والجهل والأمية والأمراض.
وسبيلا لتخفيف تلك الأعراض والأمراض التي تعتريالبشر تأتي تدخلات أهل الخير ورواد الإنسانية أفرادا ومنظمات ودولا لإغاثة المتضررين بمختلف أنواعهم تجسيدا لمعنى الأخوة الإنسانية وتحقيقا لمقتضيات التراحم والتلاحم بين البشر، فيزداد التعارف وتسود المحبة بين الناس بفعل تلك الأعمالالإنسانية النبيلة.
السعودية تجربة إنسانية رائدة
وقد تميزت في هذا السياق، تجربة العمل الخيري والإنساني السعودي حكوميا وشعبيا بالأصالة والشمول والتنوع.
وقد تعددت مظاهر ذلك الشمول والتنوع في العمل الإنساني السعودي حيث شملت الأفراد والمجتمعات،إغاثة ونجدة خلال الكوارث الطبيعية من خلال التدخلات العاجلة عبر هيآت ومنظمات ذات تجربة احترافية مشهودة طالت لمساتها الإنسانية مختلف الشعوب في أنحاء الأرض.
كما يرتاد العمل الإنساني السعودي بعدا أعمق وجهدا أرسخ وأدوم عندما يتعلق بالعلاقة مع الدول الشقيقة والصديقة حيث ينحو العمل الإنساني هنانحو البناء المؤسسي خدمة للتنمية المستدامةوإسهاما في التطوير والتحديث على مستوى تلك الدول.
العمل الإنساني السعودي تراكم واستدامة
لم تأت تلك الخبرة عرضا ولا جزافا، بل تأسست على بعد إنساني عميق مستمد من تعاليم الدينالإسلامي السمح التي تدعو لنجدة الملهوف وإعانة المحتاج ورعاية اليتم والمعدم، وترتكز على تراث عربي عريق يمجد النخوة ويعلي قيم البذل والسخاء والعطاء.
تلك القيم التي تأسست عليها المملكة العربية السعودية عشية توحيدها سنة 1932م على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله.
وقد تبلورت هذه القيم في شكل برامج وخطط عمليةتجسد الدعم للمحتاجين
من الشعوب، والإسهام في التنمية الدولية وقد شكل هذا المنحى أبرز مسارات الرؤية الاستراتيجية التي أطلقتها السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان في أفق 2030 وذلك تتويجا لعقود من الجهود المتواصلة لمؤسسات ومنظمات العمل التنموي والخيري الرسمية وغير الحكومية السعودية.
مؤسسات الدعم السعودي عناوين وآثار
مكن إنشاء الهيآت والمنظمات الإنسانية الخيرية السعودية التي تمت الإشارة إليها من جعل المملكة رائدة في هذا المجال الإنساني الحيوي فأسهمت بذلك في الاستجابة السريعة والفاعلة للكوارث الطبيعية والتخفيف من آثار الحروب والنزاعات في مختلف البلدان، وتبرز في هذا المجال، التعاون الدولي الذي يقوم به الصندوق السعودي للتنمية حيث أسهم في تعزيز التنمية المستدامة بمختلف أوجهها في القارة الأفريقية وذلك بدعم وتمويل أكثر من 413 مشروعًا وبرنامجًا تنمويًا بقيمة تزيد على أكثر من 10.7 مليارات دولار شملت 46 دولة أفريقية، وشملت تلك المشروعات مختلف القطاعات التنموية؛ كالصحة والتعليم والنقل والمواصلات والزراعة والبنية التحتية والموانئ والطاقة وغيرها، فضلا عن إيجاد الفرص المتنوعة التي تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي، ووفرت فرص العمل لآلاف البشر في القارة خلال العقد الأخير.
أما على مستوى التدخلات الإنسانية الجادة والمثمرة فتجدر الإشارة إلى ما يقوم به مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية حيث نفذ المركز منذ إنشائه سنة 2015م أكثر من 3 آلاف مشروع في 102 دولة بتكلفة بلغت 7 مليارات دولار أمريكي بالتعاون مع 192 منظمة إنسانية.
ومن بين تلك المنظمات الرائدة في المجال الإنساني والإغاثي والتفافي، الندوة العالمية للشباب الإسلامي (WAMY) عضو المنظمات غير الحكومية في الأمم المتحدة، حيث تعتني هذه المنظمة برعاية الشباب والمشروعات ذات الصلة بتنمية مهارتهم وتهيئتهم ليسهموا في نهضة وتنمية دولهم ومجتمعاتهم فضلا على إنشاء المشروعات الإنشائية والتنموية والتعليمية والصحية وذلك بتنسيق وإشراف مكاتبها المنتشرة في حوالي ثلاثين دولة .
العمل الإنساني السعودي فلسفته وآثاره.
لقد تأسس العمل الخيري والإنساني السعودي على أسس الاستدامة والشمول إذ أنه لم تقتصر فلسفته عند المملكة على تلك التدخلات الآنية والسريعة التي تتطلبها لحظات الكوارث الطبيعية والحوادث الطارئة على أهميتها وضرورتها، بل إن هذه الإستراتيجية اتجهت نحو التركيز على التنمية المستدامة للمجتمعات الهشة فأنشأت فيها المراكز الخدمية التعليمية والصحية مما ساهم في انتشال كثير من المجتمعات من الفقر والأمية والأمراض المختلفة، فضلا عن توفير المياه وبناء المساجد والمدارس وغيرها من المنشآت الضرورية لحياة الإنسان.
بهذا التدبير المثمر، فقد اتجهت الهيآت والمنظمات التنموية والإنسانية السعودية نحو التعليم والتدريب للشباب وذلك لتطوير أدائهم الوظيفي والمهني،ولمواصلة دراساتهم العليا من خلال المنح الدراسية المتنوعة التي تقدمها سنويا للطلاب عبر العالم وفي الجامعات العالمية وهو ما أثمر أفواج الخريجين والأطر المرموقين الذين عادوا لخدمة مجتمعاتهم مسلحين بالعلم والمعرفة والخبرة التي اكتسبوها نتيجة هذه الجهود الإنسانية الخيرة.
العمل الإنساني السعودي إشادة وتثمين دوليين
وقد نالت إستراتيجية التركيز على التنمية المستدامة بالاستثمار في الإنسان وتأهيله وتكوينه تثمين المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، فعقدت الشراكات مع المملكة، ورسخت العلاقة بمؤسساتها ذات الصلة بما اتسمت به من احترافيةومصداقية وبذلك تعززت القوة الناعمة المملكةوأضحى عملها الإنساني الراقي مأوى تشرئب إليه أعناق المحتاجين ويتطلع إليه طالبو العون والمساعدة.
ولقد أثمرت تلك الإستراتيجية سمعة طيبة عبر مسيرة حافلة بالجد والمثابرة والرؤية المتبصرة الرصينة المؤسسة نالت تنويها وعرفانا من المهتمين، فقد أشاد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، بدور المملكة ومنظماتها الإنسانية في مجال العمل الخيري والإنساني، معبراً عن" امتنانه الشديد على الثقة وتقديره للشراكة الإستراتيجية، التي تحدث فارقاً في حياة آلاف الأسر النازحة قسراً، في ظل احتياجات تزداد يومياً، وأزمات إنسانية تمتد لسنوات عديدة".
تلك لمحة موجزة تبرز جزء من الأدوار الريادية البارزة للعمل الإنساني الخيري السعودي تبين آفاقه ومجالاته وثماره تفرض على المراقب التوقف عندها حيث تُحيي المملكة هذه الأيام الذكرى الرابعة والتسعين لليوم الوطني السعودي تخليدا وتثمينالمسيرة حافلة بالعطاء الإنساني المشهود
*محمد الإمام أعمر أحمد / مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في موريتانيا