حماس المعجزة.. وحرية الفهم

خميس, 2014-08-14 02:05

من الغريب والجدير بالفهم أن يكون اختصار حركة المقاومة الإسلامية يشكل كلمة ذات مدلول الكل في أمس الحاجة إليه، سواء أكان أفرادا، أو أحزابا وحتى دول، ألا وهو (حماس).

فغياب الحماسة أو الحماس عن أي فكرة أو مبدأ يدفع به إلى النسيان والبعد عن التضحية والإخلاص، وليس من تفسير مقنع لاختيار هذه التسمية في البداية سوى أن الله جل جلاله وفق من يقف خلف فكرة إنشاء حركة المقاومة الإسلامية وكانت أول خطوة في مسيرة التوفيق الرباني هذه، هي اختيار الاسم وما يرمز إليه اختصاره من قيمة كبرى، تشكل جزءً من مليار جزء مما تحويه "حماس" من قيم تفوق الوصف والحصر.

وهذا الحماس ليس حماسا متهورا، ولا لحظيا، وإنما هو حماس يمثل قمة الرزانة والشجاعة والصدق، وهو حماس انعكس حتى على وجوه أفراد "حماس" فمن يمتلك درجة بسيطة من التحليل وفهم الوجوه؛ يدرك بكل سهولة ويسر أن أفراد "حماس" من نوعية نادرة جدا، ينعكس إيمانها وصدقها على وجوه أفرادها وخصوصا قادتها، فأي إنسان سوي الفطرة يتمتع بدرجة من المشاعر البشرية الصادقة لا بد أن يفهم _كل حسب درجة صفاء روحه_ شخصية الشيخ أحمد ياسين أو الرنتيسي، أو صلاح شحاده، أو يحي عياش، أو الجعبري.. والقائمة طويلة.

وسيدرك أن العناية الإلهية اختارت هذه الكوكبة من الأبطال الأفذاذ لتقوم بما قامت به من جهاد وتضحية ثم تكون خاتمتها الشهادة في ميدان لا تشوبه شائبة، وفي ظل الكثير من التفن والمغريات، والتي لو استجابت لها "حماس" لما قطع الشيخ أحمد ياسين إربا بواسطة الصواريخ، وهو العاجز عن القيام بأي حركة وحده.

أما إذا شطح الخيال بعيدا جدا أو تصور أو تخيل أفراد كتائب الشهيد عز الدين القسام فإن الأمر يفوق الخيال ويصعب حتى مجرد تصوره، كيف تربوا؟ وكيف تكونوا؟ وما هي طبيعتهم كأفراد؟ وما هي علاقاتهم الإنسانية فيما بينهم؟ وما هي ملاحمهم؟ وكيف يعيشون بعيدا عن الأضواء وتحت الأرض؟ وما هي طبيعة التكوين البدني الذي تلقوه وكذلك التكوين المعنوي؟ وا هي طبيعة قادة الفصائل والسرايا وكل التشكيلات في كتائب الشهيد عز الدين القسام؟!.

قد لا توجد إجابة مباشرة عن كل هذه التساؤلات، إلا أن منطق الأشياء يدل على أن قادة "حماس" وأفرادها من نوعية بشرية نادرة جدا، استطاعوا ـ  رغم كل الظلم والغدر والخيانة ـ  أن يبعثوا الأمل والعزة في نفوس ما يزيد على المليار مسلم، ذاقوا كل الإذلال على أيدي أعدائهم وأحذية أعدائهم الجاثمين فوق صدورهم.

وهذه هي الحقيقة الكبرى والواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار والمتمثلة في أن "حماس" لا تدافع عن غزة وإنما عن رقعة العالم الإسلامي من شرقها لغربها وشمالها لجنوبها، وأنها تدافع عن كل من ينطق الشهادتين في هذه اللحظة على سطح المعمورة.

ومن هذه الزاوية يمكن فهم "حماس" وكذلك نفسيات أعدائها القريب منهم والبعيد الوقح منهم والسافر والمتخفي وراء شعارات من القذارة والخزي، ويمكن كذلك فهم درجة الأعداء الذي يكنه أعداء "حماس" لها، وكيف يفكرون، وكل ذلك من خلال محاولة التشبث ب"حرية الفهم" والتي تمثل الأخير الباقي للأفراد في ظل استباحة الأوطان والفضاء والعقول، فلم يبق أمام الفرد اليوم إلا أن يدافع وبكل قوة عن فهمه الحر، والشخصي للأشياء، وأن يفهم الفرق بين تقطع الرضع بالصواريخ، والتعبير عن الرأي، وأن يدرك الفرق بين الأبطال المجاهدين أصحاب المثل الرائعة، والمبادئ الخالدة، وبين القطط السائبة، وأن يدرك أن استعمار الأوطان بجغرافيتها، ونهب مقدارتها، وتنصيب الخونة عليها، تجاوزته الأحداث بمليارات السنوات الضوئية، وأن الاستعمار الحقيقي هو استعمار العقول والتفكير، وتشويه الحقائق، وشغل الوعي بتفاهمات لا قيمة لها، ولا أي مردود لها على الأفراد والأمم من قبيل الرياضة، وما يسمى جورا ب"الفن" في حين يصرف الوعي كليا عما تعانيه الأمة على كل الأصعدة.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى استرجاع الوعي والفهم الصحيح للأشياء والأفراد، وأن يدافع كل فرد في الأمة عن فهمه الحر والشخصي للأشياء، وأن يقتنع بأنه فرد من أمة عظيمة تمثل العلاقة بين أفرادها العلاقة بين أعضاء الجسد الواحد، وأن يستلهم من "حماس" الشجاعة والتضحية والثبات رغم كل الصعاب والأعداء.

وقبل  الخلاصة نود التعريج قليلا على مفهومي "الوعي" و"الفهم" باعتبارهما المدخل الأول للتفاعل والتعامل مع أي حدث أو موقف فتشويههما أو تعطيلهما يحول الفرد إلى كائن سلبي لا رسالة له ولا موقف في الحياة، لأن الوعي هو المجس الذي يمكّن الفرد من استشعار ما يحيط به والتعامل معه التعامل اللازم.

أما "الفهم" فهو الحصيلة النهائية للوعي والدافع للتصرف اللازم، وهذا ربما يفسر حالة تبلد المشاعر المؤلمة تجاه ما يحاك ضد الأمة بأجمعها.

ولو أن القادم من الأجيال قرأ ما سطرته "حماس" من بطولات ومجد لتصور أن الأمر مجرد خيال إلا أن من عايشها اليوم، وعايش درجة العداء الذي يكن لها القريب قبل البعيد والصديق قبل العدو، وأنها استطاعت ـ رغم كل شيء  بإيمانها وصبرها ـ أن تحقق ما حققته من بطولات تفوق الوصف والخيال، وأن مكمن المجد والعزة هو أنها حررت عقول الكثيرين الذين كانوا يتصورون أن الكيان الصهيوني يملك جيشا، كما أنها أيضا بعثت برسالة لكل العملاء والخونة مفادها أن "حماس" تملك مخزونا من الرجال الذين لو أرادوا لاكتسحوا العالم.

 

محمدن ولد عبد القادر / مهتم بالتحليل العسكري والنفسي

اقرأ أيضا