مثلث الفقر الموريتاني .. عندما يسرق الفقر أحلام المرأة والفتاة

خميس, 2014-10-16 11:30

صدق أو لا تصدق .. هذه موريتانيا الأعماق وتحديدا مثلث الفقر  بنات في سن الزهور سقف أحلامهن لا يتجاوز الحصول على جرعة ماء تسد الرمق، وأمهات يبتعدن عن المدينة فينجبن هنالك بعيدا عن الرعاية الصحية، والنتيجة التراكمية لهذا الوضع الأسري المزري كانت ميلاد جيل متقارب في السن يفيق في حقول يابسة ومياه آسنة فلا يكاد يعرف من هذه الحياة سوى تلك المياه الراكدة التي هي سقاية الحي.

 

اهمال الأم والطفل

زرتُ مثلث الفقر الموريتاني كله فرأيتُ الأحياء البائسة العطشى وصادفتُ أمهاتٍ حوامل لم تزر احداهن المستشفى في يوم من الأيام لا في فترة الحمل ولا الولادة، وعاش الأبناء هنالك في تلك الأحياء العطشى البائسة دون أية رعاية صحية ولا تطعيم، وهكذا هن الأمهات يتعرضن لاهمال يزيد مأساتهن على مأساة الفقر المزمنة.

مع أم تعاني من الاهمال والتشرد

لا توجد أرقام رسمية لعدد وفيات الأطفال حديثي الولادة ولا الأمراض التي يتعرض لها الأمهات أثناء الحمل والولادة لبعد هذه المنطقة وعزلتها عن المنظمات الرسمية والأممية. كل ما هو معروف أن الحوادث تتكرر كل عام و أن ثقافة تنظيم الأسرة وتباعد الولادات لم يسمعن عنها في يوم من الأيام وكانت

معظيم الولادات متقاربة جدا فترى الاخوة تحسبهم توائم لكن يحدثونك أنهم ليسوا كذلك بل تفصلهما سنة واحدة أو سنتين على الأكثر.

 

مع بعض أطفال مثلث الفقر أثناء اعداد التقرير

 

فتيات قصر في كد متواصل..

شَيْبَة قصة من قصص اهمال الفتيات القصر في هذا الحي، سائل عنها سهول "آفطوط" الجرداء و "أدَبَايْ لمْبيْديعْ" ووادي "لمْبَيْزيرْ" يجيبونك دون تعجب يذكر: إنها  فتاة صغيرة في السن لكن لياليها تعدها بسنوات طوال نتيجة للكد المتواصل من أجل البقاء في الحياة، والعيش على أمل يوم سعيد قادم،

اختطفت شموس "بورات" الحارقة طفولتها، ـ وسوف تختطف شبابها إن بقيت الأحوال على ما هي عليه من فقر مدقع ـ ولعبت السوافي بمقلتيها، ولم يبق من عرقها المتصبب منذ أن سارت حافية القدمين سوى  تجعّدات في الوجه، وتشققات في باطن القدمين، رغم أن سن الفتاة لما يتجاوز ستة عشر ربيعا.

تقلب الفتاة طرفها ذا ت اليمين فلا ترى سوى كوخ متآكل، وتنظر ذات الشمال فترى شمسا تطفو على ذاك الغدير الراكد تدوسه كل يوم حيوانات الحي بحوافرها وأظلافها.

شيبه  من مواليد العام 1998 في أدباي "لمبيديع" بتجمعات "بورات" من أبوين فقيرين كما هو حال كل سكان الأحياء، حياتها شقاء في شقاء دائم وكد متواصل مع أهليها القاطنين في أحيائهم المنسية هنالك في آدوابه "بورات" حيث يعيش الإنسان بين فكي كماش الحرمان، تطحنه ماكينة الفقر طحنا حتى تحوله إلى حيوان يرِد مع الحمير مستنقعات تبعد عدة أميال.

ترى ما هي أحلام هذا الطفل؟

ما إن تشرق الشمس وتتراءى أشعتها من بين فجوات الطلح  حتى تشمر شيبه عن سواعدها وتتوكأ على عصاها وتشد عربتها على الحمار آخذة معها ما يقارب عشرين جالونا إلى وادي السقاية، حتى إذا ما وصلت إلى الغدير الراكد قرب سد "امبيزير" تنزل عن العربة وهي حافية القدمين تماما مع طفل شقيقها، تدلي بدلوها عدة مرات فيأتيها طين داسته أقدام الماشية لأيام عديدة، أجبرتها الحياة أن تشرب منه مرات قبل أن تصبه في البراميل.

وهكذا تقوم البنت شيبه بالإدلاء المتواصل حتى تملي كل أوانيها ثم تحمل الثقال بشق النفس والجهد الجهيد إلى أعلى العربة وتعود بالحمير إلى أهليها .

تقول شيبه في تصريح للشروق ميديا: لقد اشتد علي هذا الحال المستمر منذ أن أفقت على الحياة، أريد أن أعيش كما تعيش فتيات العالم آمل أن يأتي يوم وقد تحولت هذه المآسي إلى ذكريات وقصص من الماضي، أريد أن أرى يوم الراحة وقد أصبحت لدينا حنفيات مستقلة حتى أعود إلى أنوثتي المسروقة ، لم نعد إطلاقا نتحمل هذا الشقاء نريد من ينقذ حياتنا من الضياع والمرض المحتوم، شرابنا خليط بين الطين وبول المواشي وأوساخ الأرض، فمن يلتفت إلينا؟تحذير من كارثة بسبب شرب هذه المياه الآسنة

 

ماء بلون الأوساخ..

آبار وادي "امبيزير" هي مجرد حفرٍ صغيرة يتجمع فيها من الوحل الذي يحبس معه قليلا من الماء، لونه بين الصفرة والبياض، لكن فتيات الحي هنالك في آدوابه يردن  الماء بأي ثمن حتى ولو اختلط مع كل أوساخ الدنيا ودون أن يدركن ما تسببه هذه الأمراض لصحة الفتاة ومستقبلها الانجابي.

هكذا يعيش بنات الحي  وهكذا تعيش  شيبه وهكذا النساء والبنات يحتجن جميعا الى لفت أنظار الجهات الرسمية والى المنظمات الأممية أن تنظر لمعاناة هؤلاء النسوة اللواتي يعانين من شرب المياه الآسنة ومن الاهمال الصحي كأمهات حوافي الأقدام والا فان الكوارث المتلاحقة ستحل بهن والتي أقلها أمراض النساء التي قد تتسبب في توقفهن مستقبلا عن الانجاب كما تعرضهن لفقد أجنتهن وأطفالهن الرضع. 

مع الفتاة شيته ذات الأحلام المسروقة

تقرير المختار بابتاح ـ مثلث الفقر جنوب شرقي موريتانيا

فيديو: 

اقرأ أيضا