ماذا بقي من حلم المغرب العربي الكبير ؟/ المختار بابتاح

خميس, 2023-06-15 02:50

 

"أحبابنا الأهل مرحى يوم مقدمكم .. هذا لقانا فهل تنضم أشلانا

هذا لقانا فهل آمالنا انعتقتْ؟ ... وهل نسيم ربيع الوصل قد لانا؟

نريدُه صفعةً للأمسِ توجِعهُ ... اذ الغد الأبلج البسامُ وافانا"

حق للشاعر الموريتاني أحمدو ولد عبد القادر أن يحلم ذات أمسية شعرية مغاربية ضمت معظم الأدباء والكتاب الموريتانيين نهاية الثمانينات من القرن الماضي في مدينة مراكش المغربية، وحق ل"أحبابه الأهل" أن يحلموا معه بمغرب عربي كبير يضم خمسة دول عربية هي ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا.

لم يكن الحلم المغاربي يقتصر على الأدباء الذين يقرضون الشعر الموسيقى والسريالي أحيانا، ويعتصرون ـ في الغالب ـ  أخيلتهم الواسعة لتنتج لهم مدنا افلاطونية لا توجد على الأرض، بل كانت هذه الدول وشعوبها تحلم بدولة واحدة تمتد من ضفاف الأطلسي الى مدينة "جبل لعوينات" في أقصى الشرق الليبي..

"لديَ حُلم.." كلمة كتبها التاريخ عندما صاح بها المارد الأسود مارتن لوثر كينغ يوم رأى رفاقه يحلمون بوطن يتساوى فيه الأبيض والأسود .. وفعلا تحقق الحلم بعد ما يناهز قرن من الزمان.. فهل تتحقق آمال الشعراء المغاربة ولو بعد حين.

تحدث التاريخ الحديث عن قِمم عقدت وميزانيات رصدت في هذه الدول الخمس، وتحدث عن كُتاب قذفوا مدادهم الحالم تحمسا لتلك الكتلة العربية الافريقية التي ستضم دولة عملاقة يقطنها ما يناهز مائة مليون نسمة هجين بين العرب والأمازيغ والأفارقة، لكن سرعان ما اصطدمت هذه الحالمون ببعض المشاكل والتحديات، وكان القادة في كل مرة يجتمعون ويؤكدون على تجاوز هذه الصعاب وتذليلها.

كان أكبر التحديات التي اصطدم بها المشروع المغاربي الوليد قضية الصحراء الغربية وتداعياتها المتلاحقة،  ذلك الإرث الاسباني الثقيل الذي لم تستطع اتفاقية مدريد الثلاثية حسمه بسبب موقف الجزائر القديم الداعم لاستقلال جبهة البوليزاريو عن المغرب وموريتانيا، فجاء المشروع المغاربي وما تزال موريتانيا والمغرب لم يتعافيا من حرب المتمردين على اتفاقية مدريد والمدعومين من طرف الجزائر بالمال والسلاح و لاحقا مدعومين من قبل معمر القذافي، فلم يحسم القادة الخمسة ذلك الجدل الثقيل، وظلت القضية مؤجلة تنتظر النقاش، وكانت سببا في عدم تقدم المشروع الوليد تضاف اليها عدة مطبات لاحقة.

واليوم وبعد أربعين عاما من المسيرة الأربعينية لحلم اتحاد المغرب العربي كيف تبدو الصورة المغاربية وما هي أوضاع الدول الخمس وماذا بقي من ذلك الحلم القديم؟.

في ليبيا المثخنة بجراح الحرب الأهلية تبدو بوادر التقسيم بين الشرق والغرب ويتزايد نشاط العصابات المسلحة المدعومة خارجيا، وأضحت الدولة التي كانت أكثر تحمسا لهذا المشروع لا يدخلها المغاربيون دون تأشرة، وفي تونس بدأ المشهد السياسي ينعرج نحو المجهول بعد سجن المعارضين حاليا وما يدري أحد ما هي نتائج هذا المنعطف الذي يقوده قيس سعيد وهو في الغالب لا يبشر بخير حسب عدة مراقبين تونسيين.

أما الجزائر فهي تعيش أكبر تحدٍ سياسي بعد رحيل عبد العزيز بوتفليقه؛ بل تنحيه عن السلطة قبل أعوام، فهو آخر عناقيد الثوار الذين لا يجمع الجزائريون على شيء مثل ما يجمعون على جيل عبد القادر وعبد الحميد، وما يدري المراقبون ماذا  يترتب على اختفاء جيل الثورة وكيف ينتقل الحكم بسلاسة الى الجيل الثاني من الجنرالات، مهما يكن فان قطع علاقاتها مع المغرب من جانب واحد كان ضربا في مقتل للحلم المغاربي، ولم يقنع عدة أطراف مغاربية، وتحاول موريتانيا جاهدة أن تلعب دور الوسيط بينهما لإعادة الثقة بين بلدين ظلت علاقاتهما الديبلوماسية مستقرة رغم ذروة الخلاف السياسي في الثمانينات من القرن الماضي.

وحدهما موريتانيا والمغرب بلدان مغاربيان يعيشان استقرارا سياسيا نسبيا وتداولا سلميا على السلطة بين الفرقاء السياسيين، وذلك ما يستدعي منهما تكاتف الجهود الثنائية حتى لا تنتقل عدوى الأوبئة القادمة من الشرق البعيد إليهما، والتعاون المستمر والمحافظة على المكاسب والأواصر القديمة، ثم التمسك بجدية بالحلم المغاربي.

نعم موريتانيا والمغرب مطالبتان حاليا بتعزيز العلاقة بينهما ومطالبتان ببعث الأمل المفقود في اتحاد المغرب العربي، بل الدول المغاربية مطالبة جميعا ـ رغم ما تعيشه كلها من تحديات ـ بالعودة للنقاش الجاد من أجل تحقيق قليل من سراب ما زال يلوح في قيظ هذه الصحراء الافريقية الكبرى.

فسلام على المغرب العربي الكبير وسلام على أحلام الشعراء نهاية الثمانينات ان لم يبادر العقلاء  بإنقاذ المشروع الكبير.

اقرأ أيضا