الشروق ميديا (الصحراء الغربية) : لا تزال "فاطمة الشهيد" صامدة بملحفتها، تبتسم وتبش في وجوه كل صديق و حتى أعدائها الألداء تحاول جاهدة أن تبش في وجوههم رغم ما أذاقوها من صعاب الحياة والتنكيل بها وبعائلتها المفقودة، ومصادرة حياة الأبوين دون وداع إلى أبد الآبدين بفعل من تراه عدوها الأول و الدائم الذي اختطف طفولتها البريئة ذات يوم من أيام الصراع في سجن "بولعجاج" المغربي فقضت حولين كاملين وعمرها حينئذ خمسة أعوام، بعيدا عن حنان الأبوين فكانت المرحلة الأولى من اليتم في السجن مع جدتها المريضة وفي تلك الفترة هجرت السلطات المغربية والدها قسرا إلى سجن آخر مغربي كان آخر محطات الحياة بالنسبة إليه.
أما والدتها فهربت مع رهط من بني جلدتها إلى مخيمات الصحراء دون أن تكتحل عيناها بتلك الطفلة الوحيدة عند والديها، فبقيت فاطمة تواجه مصيرها إلى اليوم لكن المآسي قد صلّبتها وصهرتها الآلام والنكبات حتى تحولت بعد عقود إلى مناضلة صحراوية خارجة من رحم تلك المأساة..
بداية المعاناة.
فاطمة بنت المهدي (تلقب اليوم عند الصحراويين ب"فاطمة الشهيد" لكثرة الضحايا من عائلتها في سبيل تحرير الجمهورية العربية الصحراوية) بدأت قصة هذه الصحراوية مع ولوجها للحياة عندما حرجت إلى الدنيا في العام 1970 في مدينة عيون الساقية الحمراء، قضت مع والدتها سلم بنت ماء العينين مدة الرضاع ثم افترق أبواها عند بداية الثورة الصحراوية وهربت أمها إلى مخيمات الصحراء، وما كانت تدري أن أمها ستودعها إلى الأبد ولن تراها في يوم من أيام الدنيا.
وعاشت فاطمة في كنف جدتها من جهة الأب إلى جانب والدها وأعمامها أشهرا معدودة ولم تدر أن الليالي الحالكة تخبئ لها ما لا تشتهيه الأنفس، فاعتقلت مع جدتها في العام 1975 وهي طفلة لا يتجاوز عمرها خمسة أعوام، قضت في معتقل "بولعجاج" عامين مع الجدة التي تفاقمت حالتها الصحية، الأمر الذي أجبر السلطات المغربية على إخراجها وهي على فراش الموت، وما إن لبثت أياما حتى ودعت آخر أمل لها في هذه ال
حياة البائسة عند معظم الصحراويين في تلك الفترة، ولفظت الجدة نفسها الأخير.
التقطتها إحدى القبائل الصحراوية الكريمة وانتشلتها من ضياع محقق فعاشت معها أياما قبل أن يلتحق بها أبناء عمومتها، فعاشت يتيمة لا تدري أي المآسي أدهى وأمر.
أين أمي وأبي.. أين أعمامي وجدي ؟؟؟
أسئلة ظلت تؤرقها طيلة سنوات الانتظار تنتظر كل قادم من مخيمات تشم فيها رائحة العزة والكرامة، تسائل الركبان القادمين من هنالك:
ما آخر أخبار أمي الهاربة سلم بنت ماء العينين التي لم أرها في طفولتي المخطوفة؟ هل هي على قيد الحياة؟ أم تخطفتها يد الأعادي الغادرة ودفنتها حيث دفن آلاف الصحراويين وتمت تصفيتهم بعيدا عن عيون المراقبين؟ هل واجهت الوالدة مصير جدتي التي توفيت قبل فترة في السجن؟
كما تترصد فاطمة أخبار كل قادم من المغرب وخاصة المناطق القريبة من سجن "أكدس ومكونه" تتساءل حائرة: ما مصير والدي وجدي وأعمامي هنالك؟ هل ماتوا تحت التعذيب؟ كيف هي ظروف هذا المعتقل السيء الصيت؟ هل يعيشون في ظروف حسنة؟ قطعا ليسوا بين أهليهم وأحبابهم؟ خاصة إذا تعلق الأمر بأحد الأعمام القائد في جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "البوليزاريو"..
وتجيبها السنون لاحقا على الأسئلة بعد عقد ونصف من الزمن حيث ستكتشف منتصف التس
عينات أن والدها قد توفي في العام 1977، ووالدتها استشهدت في السنة الموالية 1978 فيما انتقل الجد الثمانيني إلى باريه في سجن "إيفني" من العام 1979، وكأن القدر أخفى عنها سنوات الحزن الثلاث المتتالية ، وهي إذ ذاك طفلة لم تبلغ عقدا من الزمن، وأفرج عن الأعمام بداية التسعينات ليفيقوا على ابنة وحيدة غريبة في وطن ما زالت تعتبره يعيش تحت احتلال ظلام وتحن إلى ساعة استقلاله حتى يعيد لها شيئا من أمل الحياة.
صامدة رغم المعاناة..
تقول فاطمة الشهيد للشروق ميديا : ورغم سنوات الضياع قد تحديث كل صعاب الحياة ولم ت
زدني المآسي إلا إيمانا بالقضية العادلة قضية الشعب الصحراوي المغلوب على أمره، لقد تزوجت نهاية الثمانينات من القرن الماضي وكنت مثال الزوجة الصابرة الصامدة،
وحولت آلام القضية إلى آمال أعيش عليها مع أولادي، وأمقت الاحتلال المغربي وأنا مجندة في جبهة البولزاريو ولو كلفتني الجبهة بعملية فدائية لنفذت، ولا بديل عندي اليوم عن تقرير مصير هذا ا
لشعب الصابر المصابر في وجه الاحتلال والتعذيب والتنكيل بأبنائه، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..